العقل والعضلات

[المستشار]

العقل والعضلات :
هناك نوعين من سلوك البشر .
الشكل الأول هو السلوك الذي ينجم عن عملية تحليل داخل المراكز العصبية العليا داخل الدماغ تستخدم فيه عملية معقدة يتم فيها إستخدام المدخلات , ثم إجراء تفاعل لتلك المدخلات مع وسائط تتمثل بخبرات ومعلومات ومعطيات لتنتج عنه قناعة أو تصور معين يبنى عليه سلوك الإنسان .
والشكل الثاني من السلوك ينجم عن إنعكاسات من المراكز العصبية الدنيا ( النخاع الشوكي ) لا ينجم عن محاكمة عقلية بل عن ردود أفعال أو منعكسات لأفعال أو مؤثرات أو محرضات تتجلى بتصرفات وأفعال لا إرادية وإنفعالية , نخاعية .
لا أزال أذكر تجربة أجريناها في مختبر الأدوية عندما كنا ندرس الطب , حيث نحقن الضفضعة بمادة محفزة عصبية تسمى الستركنين في النخاع الشوكي تحت مستوى الدماغ ثم نقوم بقطع رأس الضفضعة وبعد ذلك نقوم بالنقر على الطاولة بجانب الضفضعة المقطوع رأسها فتقوم الضفضعة بالقفز فوق الطاولة رغم قطع رأسها وذلك كرد فعل وإستجابة للمادة المحفرة على مستوى النخاع الشوكي , وهذا ما يسمونه برد فعل النخاع الشوكي ولكن هذه الحركة غير ذات معنى وغير هادفة ولكنها ردود أفعال .
ولهذا فالتصرفات نوعين أولاهما ناجمة عن المراكز العصبية العليا ( الدماغ أو العقل ) وثانيهما ناجم عن المراكز العصبية السفلى ( النخاع الشوكي ) وتسمى منعكسات .
يعتبر تصرف الإنسان راقيا إذا كانت تصرفاته تتم تحت سيطرة المراكز العصبية العليا ( الدماغ أو العقل )
ويكون تصرفه وسلوكه غير مسئول وغير ذي معنى إذا كان تحرك العضلات هو ردود أفعال إستجابة لتحريضات من المراكز العصبية الدنيا غير الراقية من النخاع الشوكي .
في كثير من الأحوال تكون العلاقة عكسية بين العقل والعضلات بينما تكون العلاقة طردية بين النخاع والعضلات ؟؟؟؟
عندما تتضخم العضلات , ويتزايد حجم القوة التي يملكها الإنسان أو منظومة ما بقدر ما يتراجع أو يتضائل صوت العقل ,وتصبح حركة العضلات إستجابة وردود أفعال للمحرضات على مستوى المراكز العصبية الدنيا في النخاع , ويعتبر هذا سلوك بدائي غير راق , وغير ناجم عن محاكمة عقلية سليمة .
وهذا يعتبر من مخاطر وسلبيات إمتلاك القوة ( العضلات ) إذا لم يكن فوقها سلطة للعقل ترشد حركتها وتحدد مسارها وكثيرا من المآسي والكوارث على مستوى الأفراد والمنظومات والدول تنشأ من الغرور بإمتلاك القوة الذي يضعف صوت العقل .
مهمة العضلات أن تخضع وتنصاع وتتصرف وفقا لرؤية وتوجيهات العقل , وهي في الغالب حركات لا إرادية غير هادفة وغير متناسقة ولا يمكن التحكم بها والطامة الكبرى تحدث عندما يفقد العقل السيطرة على العضلات , وتتصرف العضلات وفق آلية الفعل ورد الفعل وإستجابة للمحرضات والمثيرات ولا يمكن التحكم بإتجاهها وبنتائجها وهذا هو جوهر الإشكالية .
العقل أو المراكز العصبية العليا أو مراكز التفكير أو الأدمغة هي التي يجب أن تقود العضلات أو مراكز القوة , ولكن عندما تكون الصورة مقلوبة وتصبح العضلات او مراكز القوة هي التي تتربع على مراكز السيطرة ويحيد أو يشل العقل فعندها تحدث الكارثة و وتعم الفوضى وتغيب مظاهر الرقي والإنسانية , وتتحكم الغرائز , وشريعة الغاب , ويصبح الحليم حيران وتلك هي المأساة .