:: Home Page ::
آخر 10 مشاركات
ما هي مواصفات الاسهم الحلال الأمريكية (الكاتـب : دعاء يوسف علي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 655 - الوقت: 09:17 PM - التاريخ: 03-27-2024)           »          بنك سيتي جروب الحقيقي Citigroup (الكاتـب : دعاء يوسف علي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 329 - الوقت: 03:52 PM - التاريخ: 03-26-2024)           »          افضل شركة توزع أرباح في السوق السعودي (الكاتـب : دعاء يوسف علي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 338 - الوقت: 09:22 AM - التاريخ: 03-26-2024)           »          شروط استخدام موقع حراج (الكاتـب : دعاء يوسف علي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 346 - الوقت: 07:39 AM - التاريخ: 03-25-2024)           »          أعضاء مجلس إدارة شركة شمس (الكاتـب : دعاء يوسف علي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 369 - الوقت: 06:18 AM - التاريخ: 03-25-2024)           »          كيف ابيع اسهم ارامكو الراجحي عبر الهاتف (الكاتـب : دعاء يوسف علي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 342 - الوقت: 03:55 PM - التاريخ: 03-24-2024)           »          صناديق توزع شهري (الكاتـب : دعاء يوسف علي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 952 - الوقت: 10:45 PM - التاريخ: 02-18-2024)           »          حلبية و زلبية..محمود المشعان (الكاتـب : محمود المشعان - مشاركات : 0 - المشاهدات : 722 - الوقت: 07:14 PM - التاريخ: 02-16-2024)           »          بهلول..محمود المشعان (الكاتـب : محمود المشعان - مشاركات : 0 - المشاهدات : 784 - الوقت: 04:09 PM - التاريخ: 02-13-2024)           »          صورة من الزمن الجميل..محمود المشعان (الكاتـب : محمود المشعان - مشاركات : 0 - المشاهدات : 875 - الوقت: 01:28 PM - التاريخ: 02-11-2024)



 
استمع إلى القرآن الكريم
 
العودة   منتديات قبيلة البو خابور > قسم الثقافة والشعر والآداب والطلاب والرياضة > بوح القوافي

بوح القوافي في هذا المنتدى يتم اضافة الاشعار والقصائد بكافة انواعها وايضا سيرة حياة الشعراء

الإهداءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم منذ /03-30-2010   #1

ابو عمر
التميز الذهبي

الصورة الرمزية ابو عمر

ابو عمر غير متواجد حالياً

 رقم العضوية : 273
 تاريخ التسجيل : May 2009
 الجنس : ~ MALE/FE-MALE ~
 المشاركات : 4,020
 النقاط : ابو عمر is on a distinguished road
 تقييم المستوى : 19

مزاجي:
افتراضي شعراء في الذاكرة

( المــتـنـبـي )

نواصل حلقاتنا المتتالية من شعراء في الذاكرة الذي من خلاله نستضيف شخصيات عظيمة رحلت وتركت لنا كنوز عطائهم المبهر ، شعراء قدموا للتاريخ أجمل القصائد وأروعها وثبتت في تاريخنا حتى نتذوق عطائهم الشامخ ، نستضيف اليوم شخصية تاريخية شهد لها التاريخ شخصية شاعر اكتسب شهرته بفضل مجازيته الراقية ولغته المفعمة بالتعابير القوية. وقد كتبت أكثر من 25 دراسة لاستقصاء وشرح المعاني المتضمنة شبه الخفية في أشعاره ، شاعرنا اليوم شاعر معروف عرفناه منذ الصغر حفظنا قصائده ودرسناها وعرفنا ان الابداع ورائه مبدع قادر على جذب العقول قبل القلوب من خلال ما كتب في قصائدة الرائعة ، شاعرنا هو أبو الطيب أحمد بن الحسين المتنبي.




حياة المتنبي

المتنبي، أبو الطيب أحمد (915-965): شاعر عربي، ولد في الكوفة ودرس فيها. هرب صغيراً من فظائع القرامطة إلى بادية الشام فأتقن العربية. بعد عودته احترف الشعر، ومدح رجال الكوفة وبغداد. تنقل بين مدن الشام يمدح شيوخ البدو والأمراء والأدباء. ولما لم يستفد من الشعر، أشعل ثورة صغيرة اختلطت فيها المبادئ السياسية بالدينية، لكن عامل الإخشيد قضى عليه وسجنه، ثم أطلق سراحه، فعاد إلى حياة التنقل والمديح. اتصل بسيف الدولة الحمداني ، وصار شاعره وصديقه المقرب، وعاشا معاً في بلاط سيف الدولة في حلب[ تسع سنوات يغدق سيف الدولة عليه المال، ويفيض المتنبي بأروع القصائد في مديحه. لكن الوشاة أفسدوا علاقتهما، فهرب إلى مصر ومدح كافور الإخشيدي، الذي لم يحقق وعده بإكرامه، فانتقل إلى العراق متنقلاً بين مدنها. قتله أحد من هجاهم قرب موقع دير العاقول. في شعره مبادئ فلسفة تشاؤمية وتعصب واضح للعروبة. تظهر فيه شخصيته قوية الأسلوب، متدفقة ومتحررة، لكنه حافظ على الصورة الشعرية المأثورة.

المتنبي خلاصة الثقافة العربية الإسلامية في النصف الأول من القرن الرابع للهجرة. هذه الفترة كانت فترة نضج حضاري في العصر العباسي ، وهي في الوقت نفسه كانت فترة تصدع سياسي وتوتر وصراع عاشها العالم العربي . فالخلافة في بغداد انحسرت هيبتها والسلطان الفعلي في أيدي الوزراء، وقادة الجيش ومعظمهم من الأعاجم، ثم ظهور الدويلات والإمارات المتصارعة في بلاد الشام ، ثم تعرض الحدود لغزوات الروم والصراع المستمر على الثغور الإسلامية ثم الحركات الدموية في داخل العراق كحركة القرامطة وهجماتهم على الكوفة.
لقد كان لكل وزير ولكل أمير في الكيانات السياسية المتنافسة مجلس يجمع فيه الشعراء والعلماء يتخذ منهم وسيلة دعاية وتفاخر ثم هم وسائل صلة بين الحكام والمجتمع بما تثبته و****ه من مميزات هذا الأمير وذلك الحاكم ، فمن انتظم في هذا المجلس أو ذاك من الشعراء أو العلماء يعني اتفق وإياهم على إكبار هذا الأمير الذي يدير هذا المجلس وذاك الوزير الذي يشرف على ذاك. والشاعر الذي يختلف مع الوزير في بغداد مثلا يرتحل إلى غيره فإذا كان شاعرا معروفا استقبله المقصود الجديد، وأكبره لينافس به خصمه أو ليفخر بصوته.
في هذا العالم المضطرب المتناقض الغارق في صراعه الاجتماعي والمذهبي كانت نشأة المتنبي وقد وعي بذكائه ألوان هذا الصراع وقد شارك فيه وهو صغير، وانغرست في نفسه مطامح البيئة فبدأ يأخذ عدته في أخذه بأسباب الثقافة والشغف في القراءة والحفظ. وقد رويت عن أشياء لها دلالاتها في هذه الطاقة المتفتحة التي سيكون لها شأن في مستقبل الأيام والتي ستكون عبقرية الشعر العربي. روي أنه تعلم في كتاب كان يتعلم فيه أولاد أشراف الكوفة دروس العلوية شعرا ولغة وإعرابا. وروي أنه اتصل في صغره بأبي الفضل بالكوفة، وكان من المتفلسفة، فهوسه وأضله. وروي أنه كان سريع الحفظ، وأنه حفظ كتابا نحو ثلاثين ورقة من نظرته الأولى إليه، وغير ذلك مما يروى عن حياة العظماء من مبالغات . . .
ولم يستقر في موطنه الأول الكوفة وإنما خرج برحلته إلى الحياة خارج الكوفة وكأنه أراد أن يواجه الحياة بنفسه ليعمق تجربته فيها بل ليشارك في صراعاتها الاجتماعية التي قد تصل إلى أن يصطبغ لونها بما يسيل من الدماء كما اصطبغ شعره وهو صبي . . هذا الصوت الناشئ الذي كان مؤهلا بما يتملك من طاقات وقابليات ذهنية أدرك أن مواجهة الحياة في آفاق أوسع من آفاق الكوفة تزيد من تجاربه ومعارفه فخرج إلى بغداد يحاول أن يبدأ بصراع الزمن والحياة قبل أن يتصلب عوده، ثم خرج إلى بادية الشام يلقي القبائل والأمراء هناك، يتصل بهم ويمدحهم فتقاذفته دمشق وطرابلس واللاذقية وحمص. كان في هذه الفترة يبحث عن فردوسه المفقود، ويهيئ لقضية جادة في ذهنه تلح عليه، ولثورة حاول أن يجمع لها الأنصار، وأعلن عنها في شعره تلميحا وتصريحا حتى أشفق عليه بعض أصدقائه وحذره من مغبة أمره، حذره أبو عبد الله معاذ بن إسماعيل في اللاذقية، فلم يستمع له وإنما أجابه مصرا :
أبـا عبـد الإلـه معاذ أني

خفي عنك في الهيجا مقامي
ذكرت جسيـم ما طلبي وأنا

تخاطر فيـه بالمهج الجسام
أمثلـي تـأخذ النكبات منـه

ويجزع من ملاقاة الحمام ؟
ولو برز الزمان إلى شخصا

لخضب شعر مفرقه حسامي


إلا أنه لم يستطع أن ينفذ ما طمح إليه. وانتهى به الأمر إلى السجن. سجنه لؤلؤ والي الأخشيديين على حمص بعد أن أحس منه بالخطر على ولايته، وكان ذلك ما بين سنتي 323 هـ ، 324 هـ .
البحث عن النموذج:
خرج أبو الطيب من السجن منهك القوى . . كان السجن علامة واضحة في حياته، وكان جدارا سميكا اصطدمت به آماله وطموحاته، وأحس كل الإحساس بأنه لم يستطع وحده أن يحقق ما يطمح إليه من تحطيم ما يحيط به من نظم، وما يراه من فساد المجتمع. فأخذ في هذه المرحلة يبحث عن نموذج الفارس القوى الذي يتخذ منه مساعدا على تحقيق طموحاته، وعلى بناء فردوسه. وعاد مرة أخرى يعيش حياة التشرد والقلق، وقد ذكر كل ذلك بشعره. فتنقل من حلب إلى إنطاكية إلى طبرية حيث التقى ببدر بن عما سنة 328 هـ، فنعم عند بدر حقبة، وكان راضيا مستبشرا بما لقيه عنده، إن الراحة بعد التعب، والاستقرار بعد التشرد، إلا أنه أحس بالملل في مقامه، وشعر بأنه لم يلتق بالفارس الذي كان يبحث عنه والذي يشاركه في ملاحمه، وتحقيق آماله. فعادت إليه ضجراته التي كانت تعتاده، وقلقه الذي لم يبتعد عنه، وأنف حياة الهدوء إذ وجد فيها ما يستذل كبرياءه. فهذا الأمير يحاول أن يتخذ منه شاعرا متكسبا كسائر الشعراء، وهو لا يريد لنفسه أن يكون شاعر أمير، وإنما يريد أن يكون شاعرا فارسا لا يقل عن الأمير منزلة. فأبو الطيب لم يفقده السجن كل شيء لأنه بعد خروجه من استعاد إرادته وكبرياءه إلا أن السجن كان سببا لتعميق تجربته في الحياة، وتنبيهه إلى أنه ينبغي أن يقف على أرض صلبة لتحقيق ما يريده من طموح. لذا فهو أخذ أفقا جديدا في كفاحه. أخذ يبحث عن نموذج الفارس القوي الذي يشترك معه لتنفيذ ما يرسمه في ذهنه.
أما بدر فلم يكن هو ذاك، ثم ما كان يدور بين حاشية بدر من الكيد لأبي الطيب، ومحاولة الإبعاد بينهما مما جعل أبا الطيب يتعرض لمحن من الأمير أو من الحاشية تريد تقييده بإرادة الأمير، كان يرى ذلك استهانة وإذلالا عبر عنه بنفس جريحة ثائرة بعد فراقه لبدر متصلا بصديق له هو أبو الحسن علي ابن أحمد الخراساني في قوله :


لا افتخار إلا لمن لا يضام


مدرك أو محارب لا ينام




وعاد المتنبي بعد فراقه لبدر إلى حياة التشرد والقلق ثانية، وعبر عن ذلك أصدق تعبير في رائيته التي هجا بها ابن كروس الأعور أحد الكائدين له عند بدر.
وظل باحثا عن أرضه وفارسه غير مستقر عند أمير ولا في مدينة حتى حط رحاله في إنطاكية حيث أبو العشائر ابن عم سيف الدولة سنة 336 هـ وعن طريقه اتصل بسيف الدولة سنة 337 هـ وانتقل معه إلى حلب.
في مجلس هذا الأمير وجد أفقه وسمع صوته، وأحس أبو الطيب بأنه عثر على نموذج الفروسية الذي كان يبحث عنه، وسيكون مساعده على تحقيق ما كان يطمح إليه. فاندفع الشاعر مع سيف الدولة يشاركه في انتصاراته. ففي هذه الانتصارات أروع بملاحمه الشعرية. استطاع أن يرسم هذه الحقبة من الزمن وما كان يدور فيها من حرب أو سلم. فيها تاريخ واجتماع وفن. فانشغل انشغالا عن كل ما يدور حوله من حسد وكيد، ولم ينظر إلا إلى صديقه وشريكه سيف الدولة. فلا حجاب ولا واسطة بينهما، وكان سيف الدولة يشعر بهذا الاندفاع المخلص من الشاعر ويحتمل منه ما لا يحتمل من غيره من الشعراء. وكان هذا كبيرا على حاشية الأمير .
وكان أبو الطيب يزداد اندفاعا وكبرياء واحتقارا لكل ما لا يوافق هذا الاندفاع وهذه الكبرياء . . في حضرة سيف الدولة استطاع أن يلتقط أنفاسه، وظن أنه وصل إلى شاطئه الأخضر، وعاش مكرما مميزا عن غيره من الشعراء. وهو لا يرى إلى أنه نال بعض حقه، ومن حوله يظن أنه حصل على أكثر من حقه. وظل يحس بالظمأ إلى الحياة إلى المجد الذي لا يستطيع هو نفسه أن يتصور حدوده إلى أنه مطمئن إلى إمارة عربية يعيش في ظلها وإلى أمير عربي يشاركه طموحه وإحساسه. وسيف الدولة يحس بطموحه العظيم، وقد ألف هذا الطموح وهذا الكبرياء منذ أن طلب منه أن يلقي شعره قاعدا وكان الشعراء يلقون أشعارهم واقفين بين يدي الأمير، واحتمل أيضا هذا التمجيد لنفسه ووضعها أحيانا بصف الممدوح إن لم يرفعها عليه . . . ولربما احتمل على مضض تصرفاته العفوية إذ لم يكن يحس مداراة مجالس الملوك والأمراء، فكانت طبيعته على سجيتها في كثير من الأحيان. وهذا ملكان يغري حساده به فيستغلونه ليوغروا صدر سيف الدولة عليه حتى أصابوا بعض النجاح، وأحس الشاعر بأن صديقه بدأ يتغير عليه، وكانت الهمسات تنقل إليه عن سيف الدولة بأنه غير راض، وعنه إلى سيف الدولة بأشياء لا ترضي الأمير وبدأت المسافة تتسع بين الشاعر وصديقه الأمير. ولربما كان هذاالاتساع مصطنعا إلا أنه اتخذ صورة في ذهن كل منهما، وأحس أبو الطيب بأن السقف الذي أظله أخذ يتصدع، اعتاده قلقه واعتادته ضجراته وظهرت منه مواقف حادة مع حاشية الأمير، وأخذت الشكوى تصل إلى سيف الدولة منه حتى بدأ يشعر بأن فردوسه الذي لاح له بريقه عند سيف الدولة لم يحقق السعادة التي نشدها. وكان موقفه مع ابن خالوية بحضور سيف الدولة واعتداء ابن خالوية عليه ولم يثأر له الأمير أصابته خيبة الأمل، وأحس بجرح لكرامته لم يستطع أن يحتمل فعزم على مغادرته ولم يستطع أن يجرح كبرياءه بتراجعه، وإنما أراد أن يمضي بعزمه. فكانت مواقف العتاب والعتاب الصريح، ووصل العتاب إلى الفراق. وكان آخر ما أنشده إياه ميميته في سنة 345 هـ ومنها:


لا تطلبن كريمــا بعدرؤيته


إن الكرام بأسخــاهم يدا ختموا


ولا تبــال بشعر بعد شاعره


قد أفسد القول حتى أحمد الصمم


إضغط على هذا الشريط هنا لعرض الصورة بكامل حجمها .

البحث عن الأمل:
فارق أبو الطيب سيف الدولة وهو غير كاره له، وإنما كره الجو الذي ملأه حساده ومنافسوه من حاشية سيف الدولة. فأوغروا قلب الأمير، فجعل الشاعر يحس بأن هوة بينه وبين صديقة يملؤها الحسد والكيد، وجعله يشعر بأنه لو أقام هنا فلربما تعرض للموت أو تعرضت كبرياؤه للضيم. فغادر حلبا، وهو يكن لأميرها الحب، لذا كان قد عاتبه وبقي يذكره بالعتاب، ولم يقف منه موقف الساخط المعادي، ولذا بقيت الصلة بينهما بالرسائل التي تبادلاها حين عاد أبو الطيب إلى الكوفة من كافور حتى كادت الصلة تعود بينهما، فارق أبو الطيب حلبا إلى مصر . . وفي قلبه غضب كثير، وكأني به أطال التفكير في محاولة الرجوع إلى حلب وكأني به يضع خطة لفراقها ثم الرجوع إليها ولكن لا يرجع إليها شاعرا فقط إنما يزورها ويزور أميرها عاملا حاكما لولاية يضاهي بها سيف الدولة، ويعقد مجلسا يقابل سيف الدولة . . من هنا كانت فكرة الولاية أملا في رأسه ظل يقوي وأظنه هو أقوى الدوافع . . دفع به للتوجه إلى مصر حيث كافور الذي يمتد بعض نفوذه إلى ولايات بلاد الشام . .
وتفي مصر واجه بيئة جديدة، ومجتمعا آخر، وظروفا اضطرته إلى أن تتنازل في أول الأمر عما لم يتنازل عنه، وهو عند سيف الدولة . . ثم تهو عند ملك لا يحبه، ولم يجد فيه البديل الأفضل من سيف الدولة إلا أنه قصده آملا، ووطن نفسه على مدحه راضيا لما كان يربطه في مدحه من أمل الولاية، وظل صابرا محتملا كل ذلك. وأخذ يخطط إلى أمله الذي دفعه للمجيء إلى هنا، ويهدأ كلما لاح بريق السعادة في الحصول على أمله، وهو حين يراوده نقيض لما يراه من دهاء هذا الممدوح الجديد ومكره تنعصر نفسه، ويحس بالحسرة على فراقه صديقه القديم. وفي هذه البيئة الجديدة أخذ الشعور بالغربة يقوى في نفسه بل أخذ يشعر بغربتين غربته عن الأهل والأحبة وعما كان يساوره من الحنين إلى الأمير العربي سيف الدولة، ويزداد ألمه حين يرى نفسه بين يدي أسود غير عربي إلا أنه حين يتذكر جرح كبريائه يعقد لسانه ويسكت . . وغربته الروحية عمن حوله والتي كان يحس بها في داخله إحساسا يشعره بالتمزق في كثير من الأحيان . . وظل على هذا الحال لا تسكته الجائزة، ولا يرضيه العطاء، وظل يدأب لتحقيق ما في ذهنه ويتصور أنه لو حصل عليها لحقق طموحه في مجلس كمجلس سيف الدولة تجتمع فيه الشعراء لمدحه فيستمع لمديحه وإكباره على لسان الشعراء بدلا من أن يؤكد كبرياءه هو على لسانه، ولربما كان يريد إطفاء غروره بهذا إلا أن سلوكه غير المداري وعفويته التي رأيناها بابا سهلا لدخول الحساد والكائدين بينه وبين الحاكم الممدوح، ثم حدته وسرعة غضبه وعدم السيطرة على لسانه. كان كل ذلك يوقعه في مواقف تؤول عليه بصور مختلفة وفق تصورات حساده ومنافسيه . . وأكاد أعتقد أنه كان مستعدا للتنازل عن كل جوائزه وهباته لمن كان يتصور أنه كان يريد أن يتربع على عرش الشعر من أجل جائزة كافور وعطائه، ثم يصوره بصورة تشوه إحساسه وتزور مشاعره . . وذلك هو الذي يغيظه ويغضبه ويدفعه إلى التهور أحيانا وإلى المواقف الحادة . . كل ذلك يأخذ طابعا في ذهن الحاكم مغايرا لما في ذهن الشاعر . .
هكذا بدأت المسافة تتسع بينه وبين كافور . . وكلما اتسعت المسافة كثر في مجالها الحاسدون والواشون، وكلما أحس الشاعر، ولو وهما، بأزورار كافور عنه تيقظت لديه آفاق جديدة لغربته، وثارت نفسه وأحس بالمرارة إحساسا حادا . . لقد كان هو يحس بالحق، وبأنه لم يطلب فوق حقه، ولم يتصرف بما هو خطأ لأنه لم يصدر منه تجاوز على حق أحد إلا أنه هذا التصور البريء في ذهن الشاعر بعيد عن واقع الصورة التي في ذهن حاشية كافور، وما يصل إلى كافور من أقوال عن الشاعر وعادة المتملقين من الوجهاء يتوصلون إلى الحاكم بواسطة حاشيته وإغراء بعض أفرادها بأن يكونوا جسورا بينهم وبين سيدهم . . هذه الجسور قد تقطع عند الحاجة بين الحاكم وبين خصومهم . . . أما أبو الطيب فلم يكن يحسن هذا اللون من التظاهر ولم يكن يفكر بهذا اللون من التصور، وإنما كان صريحا بكل شيء في رضاه وسخطه صريحا بما يرغب دون احتيال ولا محاورة، فما دام يشعر بالحق طالب به دون تأجيل.
هذه الصراحة كثيرا ما أوقعته في مواقف حرجة، عند سيف الدولة، وهنا أيضا عند كافور، لذا صارت للمتنبي صورة الغول في نفس كافور، وبأنه المخيف الذي سينزو على ملكه إذا أعطاه ما يمكنه من ذلك، وهكذا ظل الشاعر يرغب، ويلح في رغبته، وظل كافور يداوره ويحاوره، وهو لون من الصراع الدرامي بين حاكم يحسن الاحتيال والمداورة وشاعر صريح لا يحسن من ذلك شيئا حتى وصل الشاعر إلى حالة لم يستطع بعدها أن يبقى صامتا، وشعر كافور برغبته في مغادرته فظن أن تشديد الرقابة عليه وإغلاق الحدود دونه سيخيفه ويمنعه من عزمه، ويخضعه كما يفعل مع غيره من الشعراء بالترهيب حينا والذهب حينا آخر . . إلا أن أبا الطيب لم يعقه ذلك كله عن تنفيذ ما عزم عليه بعد أن أحس باليأس من كافور، ولذعه الندم على ما فعل بنفسه في قصده إياه . .
وعاودته ضجراته التي أحس بها وهو عند أكثر أصدقائه إخلاصا وحبا وظل يخطط إلى الهرب، ويصر على تحدي كافور ولو بركوب المخاطر حتى وجد فرصته في عيد الأضحى، وخرج من مصر، وهجا كافورا بأهاجيه المرة الساخرة .
الاضطراب واليأس:
إن تحدي أبي الطيب لسلطة كافور في هروبه وركوبه كل المخاطر، ثم هذه الطاقة المتفجرة من السخط والغضب في هجائه، كل ذلك يدل على مبلغ اليأس والندم في نفسه، ويبدو لي أنه كان حائرا حين فارق سيف الدولة، وحاول أن يمنع نفسه من التوجه إلى كافور إلا أنه رجح أمر توجهه إلى مصر بعد إطالة فكر . . . ويبدو أنه كان قد فكر بهذه النتيجة اليائسة من ملك مصر لذا نراه وكأنه أراد أن يتقدم من نفسه على ارتكابه خطيئة التوجه إليه واحتمالها مدحه، والتقيد بأوامره حينا. فهو حاول بأي وجه أن يشعر بالانتصار على هذه السلطة، نجده تحداه في هروبه، ثم نقرأ هذا الفخر بالشجاعة والفروسية في اقتحام المخاطر في طريقه إلى الكوفة في مقصورته :


ضربت بها التيه ضرب القمار


إمــا لهـذا وإمــا لـذا


إذا فزعت قدمتـها الجيــاد


وبيض السيوف وسمر القنا


فلمـا انحنـا ركزنـا الرماح


فـوق مكــارمننا والعمل


وبتنــا نقبـــل أسيافنــا


ونمسحها من دماء العــدى


لتـــعلم مصر ومن بالعراق


ومن بالعواصم أني الفتــى




عاد إلى الكوفة وهو أشد الحاجة إلى الاستقرار إلا أنه لم يستطع الإقامة فيها طويلا، فذهب إلى بغداد حيث مجلس المهلبي الذي يجتمع فيه جماعة من الشعراء والأدباء، وكان المهلبي يطمع بمدح أبي الطيب فلم يحصل إلا على زيارة الشاعر لمجلسه.
أزور أبو الطيب من جو الخلاعة والمجون الذي يحيط بالمهلبي ويظهر لي أنه كان منذ نزوله الكوفة كان يفكر في صديقه الحمداني وبأسباب الصلة به. فالشاعر لم يرد أن يتورط بمدح المهلبي والبويهيين في بغداد لكي يحافظ على العلاقة بينه وبين سيف الدولة لما كان بين سلطة بغداد وحلب من عداء.
ثم أن أبا الطيب في هذه المرحلة التي ينال فيها من الشهرة والمجد لم يجد ما يحققه من مدحه للمهلبي، بل كان يراه أقل منه شأنا وأدبا . . وظل صامتا حتى عن رد الشعراء الذين حرضهم المهلبي عليه فهجوه أقذع الهجاء، فلم يجبهم، وكذلك حرض الحاتمي عليه فكانت تلك المناظرة الحاقدة التي سجلها الحاتمي في رسالته الموضحة. فكان أبو الطيب وقورا حينا وحادا أحيانا، ويغضي عن كل ذلك أوانا، وكان مكتفيا في لقاء محبي شعره وطالبي أدبه في دار صديقه علي بن حمزة البصري الذي كان قد نزل فيها.
عاد إلى الكوفة بعد أن أقام في بغداد سبعة أشهر، ويظهر أنه أراد أن يبتعد عن هذا الجو الصاخب فيها ليستقر في مكان يفكر فيه بعقد أسباب الصلة بأمير حلب. وفعلا وصلت إليه هداياه وأرسل إليه شعرا ولم يطق الإقامة في الكوفة لما كان فيها من الحوادث الدموية بسبب هجوم القرامطة عليها، واشترك المتنبي في الدفاع عنها. وعاودته الرغبة إلى الرحيل إذ كان يجد فيه متنفسا عن قلقه ولما جاءته رغبة ابن العميد من أرجان في زيارته رحل إليه ومنه إلى عضد الدولة في شيراز. وكأن رحلته هذه كانت لقتل الفراغ الذي أحس به بعد طول معاناة ولامتصاص التمزق الذي كان يعانيه، وربما كان في نفسه غرض آخر هو تقوية صلته بعضد الدولة وذوي الجاه كابن العميد ليقوى مركزه في بغداد بل ليكون أقوى من صاحب الوزارة فيها الذي حرض من لديه من الشعراء على هجائه. وكان عضد الدولة يقيم بشيراز ويتطلع لخلافة أبيه للحكم في بغداد، وبحاجة لشاعر كبير يقدمه للناس ويعرفهم بخصاله. وفي طريق عودته إلى بغداد كان مقتله قريبا من دير العاقول 354 هـ وكان مع المتنبي جماعة من أصحابه وابنه محسد وغلامه مفلح اللذان قتلا معه على يد فاتك بن أبي جهل الأسدي وجماعته.



القصــائد




قال:



أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي


واسمعت كلماتي من به صمم

إذا رأيت نيوب الليث بارزة
فلا تظنن أن الليث يبتسم
الليل والخيل والبيداء تعرفني

والسيف والرمح والقرطاس والقلم


وقال:

ومن يجعل الضرغام للصيد بازه
تصيده الضرغام فيما تصيدا
وما قتل الأحرار كالعفو عنهم
ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته

وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا





المتنبي يمدح سيف الدوله بعد معركه مع الروم




1 لِهَــذا اليــوم بَعــدَ غَــدٍ أَرِيـجُ


وَنــارٌ فــي العَــدُوِّ لَهــا أَجِـيجُ



2 تَبِيــتُ بِهــا الحَــواضنُ آمِنــاتٍ


وتَســلَمُ فــي مســالِكِها الحَجِــيجُ


3 فَــلا زالَــت عُـداتُكَ حَـيثُ كـانَتْ


فَــرائِسَ أَيُّهــا الأَســدُ المَهِيــجُ


4 عـــرَفتُكَ والصفـــوفُ مُعَبَّــآتٌ


وأَنــتَ بِغَــيرِ سَــيفِكَ لا تَعِيــجُ


5 ووَجــهُ البحــرِ يُعـرَفُ مـن بَعِيـدٍ


إِذا يســـجُو فكـــيف إِذا يَمُــوجُ


6 بــأَرضٍ تهلِــكُ الأَشــواطُ فيهــا


إِذا مُلِئَــت مــنَ الـرَّكض الفُـروجُ


7 تُحــاوِلُ نَفسَ مَلــكِ الــرومِ فيهـا


فتَفدِيــــهِ رَعيَّتُـــهُ العُلُـــوجُ


8 أبــا لغَمَــراتِ تُوعدُنـا النَّصـارى


ونحــن نجومُهــا وَهِــي الـبُروجُ


9 وَفينــا الســيفُ حَملَتــهُ صَـدوقٌ


إِذا لاقَـــى وغارتـــهُ لَجُـــوجُ


10 نُعَـــوِّذهُ مِــنَ الأعيــانِ بأسًــا


ويَكــثُرُ بِالدعــاءِ لــهُ الضجـيجُ


11 رضِينــا والدُمُســتُقُ غَــيرُ راضٍ


بِمَــا حَــكَمَ القَــواضِبُ والوَشِـيجُ


12 فــإن يُقــدِم فقــد زُرنـا سَـمَندو


وإِن يُحجـــمْ فمَوعِدُنـــا الخــلِيجُ



















قصيدة على قدر أهل العزم تأتي العزائم





على قدر أهل العزم تأتي العزائم


وتأتي على قدر الكرام المــكارم

وتعظم في عين الصغير صغارهــــا
وتصغر في عين العظيم العظائـــم
يكلف سيف الدولة الجيش هـــــمه
وقد عجزت عنه الجيوش الخـــضارم
ويطلب عند الناس ما عند نفســـه
وذلك ما لا تدعيه الضراغـــــــم
يفدي أتم الطير عمراً سلاحــــــه
نسور الفلا أحداثها والقشاعــــم
وما ضرها خلق بغير مخالـــــــب
وقد خلقت أسيافه والقوائــــــم
هل الحدث الحمراء تعرف لونـــها
وتعلم أي الساقيين الغمائـــــم
سقتها الغمام الغر قبل نزولـــه
فلما دنا منها سقتها الجماجـــم
بناها فأعلى والقنا يقرع القنـا
وموج المنايا حولها متلاطــــــم
وكان بها مثل الجنون فأصبحــــت
ومن جثث القتلى عليها تمائــــم
طريدة دهر ساقها فرددتهـــــــا
على الدين بالخطي والدهر راغــم
تفيت الليالي كل شيء أخذتـــــه
وهن لما يأخذن منك غـــــــوارم
إذا كان ما تنويه فعلاً مضارعـــاً
مضى قبل أن تُلقى عليه الجــوازم
وكيف ترجي الروم والروس هدمــها
وذا الطعن أساس لها ودعائـــــم
وقد حاكموها والمنايا حواكــــم
فما مات مظلوم ولا عاش ظالـــــم
أتوك يجرون الحديد كأنـــــــما
سروا بجياد ما لهن قوائـــــــم
إذا برقوا لم تعرف البيـــــــض
منهم ثيابهم من مثلها والعمائـم
خميس بشرق الأرض والغرب زحفــــه
وفي أُذن الجوزاء منه زمـــــازم
تجمع فيه كل لسن وأمــــــــــةٍ
فما يفهم الحداث إلا التراجــــم
فلله وقت ذوب الغش نــــــــاره
فلم يبق إلا صارم أو ضبــــــارم
تقطع ما لا يقطع الدرع والقـــنا
وفر من الفرسان من لا يـــــصادم
وقفت وما في الموت شك لواقــــف
كأنك في جفن الردى وهو نائــــم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمــــــةً
ووجهك وضاح وثغرك باســـــــــم
تجاوزت مقدار الشجاعة والنهـــى
إلى قول قومٍ أنت بالغيب عالـــم
ضممت جناحيهم على القلب ضــــمة
تموت الخوافي تحتها والقـــوادم
بضرب أتى الهامات والنصر غائــب
وصار إلى اللبات والنصر قـــادم
حقرت الردينيات حتى طرحتـــــها
وحتى كأن السيف للرمح شاتـــــم
ومن طلب الفتح الجليل فإنــــما
مفاتيحه البيض الخفاف الصــوارم
نشرتهم فوق الأحيدب كلـــــــــه
كما نثرت فوق العروس الدراهـــم
تدوس بك الخيل الوكور على الذرى
وقد كثرت حول الوكور المطاعـــم
تظن فراخ الفتخ أنك زرتــــــها
بأماتها وهي العتاق الصـــــلادم
إذا زلقت مشيتها ببطونهـــــــا
كما تتمشى في الصعيد الأراقــــم
أفي كل يوم ذا الدمستق مقــــدم
قفاه على الإقدام للوجه لائـــــم
أينكر ريح الليث حتى يذوقـــــه
وقد عرفت ريح الليوث البهائـــم
وقد فجعته بابنه وابن صهـــــره
وبالصهر حملات الأمير الغواشــــم
مضى يشكر الأصحاب في فوته الظبـى
لما شغلتها هامهم والمعاصـــــم
ويفهم صوت المشرفية فيهـــــــم
على أن أصوات السيوف أعـــــاجم
يسر بما أعطاك لا عن جهالــــــة
ولكن مغنوما نجا منك غانــــــم
ولست مليكا هازماً لنظيـــــــره
ولكنك التوحيد للشرك هــــــازم
تشرف عدنان به لا ربيـــــــــعة
وتفتخر الدنيا به لا العواصِــــم
لك الحمد في الدر الذي لي لفظـه
فإنك معطيه وإني ناظــــــــــم
وإني لتعدو بي عطاياك في الوغـى
فلا أنا مذموم ولا أنت نــــــادم
على كل طيار إليها برجلـــــــه
إذا وقعت في مسمعيه الغماغــــم
ألا أيها السيف الذي ليس مغمــداً
ولا فيه مرتاب ولا منه عاصــــــم
هنيئاً لضرب الهام والمجد والعلى
وراجيك والإسلام أنك سالــــــــم
ولم لا يقي الرحمن حديك ما وقــى

وتفليقه هام العدى بك دائـــــم



الرأي قبل شجاعة الشجعان :


1 الرَأيُ قَبلَ شَجاعَةِ الشُجعانِ *** هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ المَحَلُّ الثاني
2 فَإِذا هُما اِجتَمَعا لِنَفسٍ مِرَّةٍ *** بَلَغَت مِنَ العَلياءِ كُلَّ مَكانِ
3 وَلَرُبَّما طَعَنَ الفَتى أَقرانَهُ *** بِالرَأيِ قَبلَ تَطاعُنِ الأَقرانِ
4 لَولا العُقولُ لَكانَ أَدنى ضَيغَمٍ *** أَدنى إِلى شَرَفٍ مِنَ الإِنسانِ
5 وَلَما تَفاضَلَتِ النُفوسُ وَدَبَّرَتْ *** أَيدي الكُماةِ عَوالِيَ المُرّانِ
6 لَولا سَمِيُّ سُيوفِهِ وَمَضاؤُهُ *** لَمّا سُلِلنَ لَكُنَّ كَالأَجفانِ
7 خاضَ الحِمامَ بِهِنَّ حَتّى ما دُرِي *** أَمِنِ اِحتِقارٍ ذاكَ أَم نِسيانِ
8 وَسَعى فَقَصَّرَ عَن مَداهُ في العُلا *** أَهلُ الزَمانِ وَأَهلُ كُلِّ زَمانِ
9 تَخِذوا المَجالِسَ في البُيوتِ وَعِندَهُ *** أَنَّ السُروجَ مَجالِسُ الفِتيانِ
10 وَتَوَهَّموا اللَعِبَ الوَغى وَالطَعنُ في الـ *** ـهَيجاءِ غَيرُ الطَعنِ في المَيدانِ
11 قادَ الجِيادَ إِلى الطِعانِ وَلَم يَقُد *** إِلّا إِلى العاداتِ وَالأَوطانِ
12 كُلُّ اِبنِ سابِقَةٍ يُغيرُ بِحُسنِهِ *** في قَلبِ صاحِبِهِ عَلى الأَحزانِ
13 إِن خُلِّيَتْ رُبِطَتْ بِآدابِ الوَغى *** فَدُعاؤُها يُغني عَنِ الأَرسانِ
14 في جَحفَلٍ سَتَرَ العُيونَ غُبارُهُ *** فَكَأَنَّما يُبصِرنَ بِالآذانِ
15 يَرمي بِها البَلَدَ البَعيدَ مُظَفَّرٌ *** كُلُّ البَعيدِ لَهُ قَريبٌ دانِ
16 فَكَأَنَّ أَرجُلَها بِتُربَةِ مَنبِجٍ *** يَطرَحنَ أَيدِيَها بِحِصنِ الرانِ
17 حَتّى عَبَرنَ بِأَرسَناسَ سَوابِحًا *** يَنشُرنَ فيهِ عَمائِمَ الفُرسانِ
18 يَقمُصنَ في مِثلِ المُدى مِن بارِدٍ *** يَذَرُ الفُحولَ وَهُنَّ كَالخِصيانِ
19 وَالماءُ بَينَ عَجاجَتَينِ مُخَلِّصٌ *** تَتَفَرَّقانِ بِهِ وَتَلتَقِيانِ
20 رَكَضَ الأَميرُ وَكَاللُجَينِ حَبابُهُ *** وَثَنى الأَعِنَّةَ وَهوَ كَالعِقيانِ
21 فَتَلَ الحِبالَ مِنَ الغَدائِرِ فَوقَهُ *** وَبَنى السَفينَ لَهُ مِنَ الصُلبانِ
22 وَحَشاهُ عادِيَةً بِغَيرِ قَوائِمٍ *** عُقمَ البُطونِ حَوالِكَ الأَلوانِ
23 تَأتي بِما سَبَتِ الخُيولُ كَأَنَّها *** تَحتَ الحِسانِ مَرابِضُ الغِزلانِ
24 بَحرٌ تَعَوَّدَ أَن يُذِمَّ لِأَهلِهِ *** مِن دَهرِهِ وَطَوارِقِ الحَدَثانِ
25 فَتَرَكتَهُ وَإِذا أَذَمَّ مِنَ الوَرى *** راعاكَ وَاِستَثنى بَني حَمدانِ
26 المُخفِرينَ بِكُلِّ أَبيَضَ صارِمٍ *** ذِمَمَ الدُروعِ عَلى ذَوي التيجانِ
27 مُتَصَعلِكينَ عَلى كَثافَةِ مُلكِهِم *** مُتَواضِعينَ عَلى عَظيمِ الشانِ
28 يَتَقَيَّلونَ ظِلالَ كُلِّ مُطَهَّمٍ *** أَجَلِ الظَليمِ وَرِبقَةِ السَرحانِ
29 خَضَعَت لِمُنصُلِكَ المَناصِلُ عَنوَةً *** وَأَذَلَّ دينُكَ سائِرَ الأَديانِ
30 وَعَلى الدُروبِ وَفي الرُجوعِ غَضاضَةٌ *** وَالسَيرُ مُمتَنِعٌ مِنَ الإِمكانِ
31 وَالطُرْقُ ضَيِّقَةُ المَسالِكِ بِالقَنا *** وَالكُفرُ مُجتَمِعٌ عَلى الإيمانِ
32 نَظَروا إِلى زُبَرِ الحَديدِ كَأَنَّما *** يَصعَدنَ بَينَ مَناكِبِ العِقبانِ
33 وَفَوارِسٍ يُحَيِ الحِمامُ نُفوسَها *** فَكَأَنَّها لَيسَت مِنَ الحَيَوانِ
34 ما زِلتَ تَضرِبُهُمْ دِراكًا في الذُرى *** ضَربًا كَأَنَّ السَيفَ فيهِ اِثنانِ
35 خَصَّ الجَماجِمَ وَالوُجوهَ كَأَنَّما *** جاءَتْ إِلَيكَ جُسومُهُمْ بِأَمانِ
36 فَرَمَوا بِما يَرمونَ عَنهُ وَأَدبَروا *** يَطَؤونَ كُلَّ حَنِيَّةٍ مِرنانِ
37 يَغشاهُمُ مَطَرُ السَحابِ مُفَصَّلاً *** بِمُثَقَّفٍ وَمُهَنَّدٍ وَسِنانِ
38 حُرِموا الَّذي أَمِلوا وَأَدرَكَ مِنهُمُ *** آمالَهُ مَن عادَ بِالحِرمانِ
39 وَإِذا الرِماحُ شَغَلنَ مُهجَةَ ثائِرٍ *** شَغَلَتهُ مُهجَتُهُ عَنِ الإِخوانِ
40 هَيهاتَ عاقَ عَنِ العِوادِ قَواضِبٌ *** كَثُرَ القَتيلُ بِها وَقَلَّ العاني
41 وَمُهَذَّبٌ أَمَرَ المَنايا فيهِمُ *** فَأَطَعنَهُ في طاعَةِ الرَحمَنِ
42 قَد سَوَّدَتْ شَجَرَ الجِبالِ شُعورُهُمْ *** فَكَأَنَّ فيهِ مُسِفَّةَ الغِربانِ
43 وَجَرى عَلى الوَرَقِ النَجيعُ القاني *** فَكَأَنَّهُ النارَنجُ في الأَغصانِ
44 إِنَّ السُيوفَ مَعَ الَّذينَ قُلوبُهُمْ *** كَقُلوبِهِنَّ إِذا اِلتَقى الجَمعانِ
45 تَلقى الحُسامَ عَلى جَراءَةِ حَدِّهِ *** مِثلَ الجَبانِ بِكَفِّ كُلِّ جَبانِ
46 رَفَعَتْ بِكَ العَرَبُ العِمادَ وَصَيَّرَتْ *** قِمَمَ المُلوكِ مَواقِدَ النيرانِ
47 أَنسابُ فَخرِهِمُ إِلَيكَ وَإِنَّما *** أَنسابُ أَصلِهِمُ إِلى عَدنانِ
48 يا مَن يُقَتِّلُ مَن أَرادَ بِسَيفِهِ *** أَصبَحتُ مِن قَتلاكَ بِالإِحسانِ
49 فَإِذا رَأَيتُكَ حارَ دونَكَ ناظِري *** وَإِذا مَدَحتُكَ حارَ فيكَ لِساني
*************
أَما في هَذِهِ الدُنيا كَريمُ *** تَزولُ بِهِ عَنِ القَلبِ الهُمومُ
2 أَما في هَذِهِ الدُنيا مَكانٌ *** يُسَرُّ بِأَهلِهِ الجارُ المُقيمُ
3 تَشابَهَتِ البَهائِمُ وَالعِبِدّى *** عَلَينا وَالمَوالي وَالصَميمُ
4 وَما أَدري أَذا داءٌ حَديثٌ *** أَصابَ الناسَ أَم داءٌ قَديمُ
5 حَصَلتُ بِأَرضِ مِصرَ عَلى عَبيدٍ *** كَأَنَّ الحُرَّ بَينَهُمُ يَتيمُ
6 كَأَنَّ الأَسوَدَ اللابِيَّ فيهِمْ *** غُرابٌ حَولَهُ رَخَمٌ وَبومُ
7 أُخِذتُ بِمَدحِهِ فَرَأَيتُ لَهوًا *** مَقالي لِلأُحيمِقِ يا حَليمُ
8 وَلَمّا أَن هَجَوتُ رَأَيتُ عِيًّا *** مَقالي لِاِبنِ آوى يا لَئيمُ
9 فَهَل مِن عاذِرٍ في ذا وَفي ذا *** فَمَدفوعٌ إِلى السَقَمِ السَقيمُ
10 إِذا أَتَتِ الإِساءَةُ مِن لَئيمٍ *** وَلَم أُلُمِ المُسيءَ فَمَن أَلومُ

********************
ما أَجدَرَ الأَيّامَ وَاللَيالي *** بِأَن تَقولَ ما لَهُ وَما لي
لا أَن يَكونَ هَكَذا مَقالي *** فَتىً بِنيرانِ الحُروبِ صالِ
مِنها شَرابي وَبِها اغتِسالي *** لا تَخطُرُ الفَحشاءُ لي بِبالِ
لَو جَذَبَ الزَرّادُ مِن أَذيالي *** مُخَيَّرًا لي صَنعَتَي سِربالِ
ما سُمتُهُ سَرْدَ سِوى سِروالِ *** وَكَيفَ لا وَإِنَّما إِدلالي
بِفارِسِ المَجروحِ وَالشَمالِ *** أَبي شُجاعٍ قاتِلِ الأَبطالِ
ساقي كُؤوسِ المَوتِ وَالجِريالِ *** لَمّا أَصارَ القُفصَ أَمسِ الخالي
وَقَتَّلَ الكُردَ عَنِ القِتالِ *** حَتّى اتَّقَت بِالفَرِّ وَالإِجفالِ
فَهالِكٌ وَطائِعٌ وَجالي *** وَاقتَنَصَ الفُرسانَ بِالعَوالي
وَالعُتُقِ المُحدَثَةِ الصِقالِ *** سارَ لِصَيدِ الوَحشِ في الجِبالِ
وَفي رِقاقِ الأَرضِ وَالرِمالِ *** عَلى دِماءِ الإِنسِ وَالأَوصالِ
مُنفَرِدَ المُهرِ عَنِ الرِعالِ *** مِن عِظَمِ الهِمَّةِ لا المَلالِ
وَشِدَّةِ الضَنِّ لا الاستِبدالِ *** ما يَتَحَرَّكنَ سِوى انسِلالِ
فَهُنَّ يُضرَبنَ عَلى التَصهالِ *** كُلُّ عَليلٍ فَوقَها مُختالِ
يُمسِكُ فاهُ خَشيَةَ السُعالِ *** مِن مَطلَعِ الشَمسِ إِلى الزَوالِ
فَلَم يَئِل ما طارَ غَيرَ آلِ *** وَما عَدا فَانغَلَّ في الأَدغالِ
وَما احتَمى بِالماءِ وَالدِحالِ *** مِنَ الحَرامِ اللَحمِ وَالحَلالِ
إِنَّ النُفوسَ عَدَدُ الآجالِ *** سَقيًا لِدَشتِ الأَرزُنِ الطُوالِ
بَينَ المُروجِ الفيحِ وَالأَغيالِ *** مُجاوِرِ الخِنزيرِ والرِئبالِ
داني الخَنانيصِ مِنَ الأَشبالِ *** مُستشْرِفَ الدُبِّ عَلى الغَزالِ
مُجتَمِعِ الأَضدادِ وَالأَشكالِ *** كَأَنَّ فَنّاخُسرَ ذا الإِفضالِ
خافَ عَلَيها عَوَزَ الكَمالِ *** فَجائَها بِالفيلِ وَالفَيّالِ
فَقيدَتِ الأُيَّلُ في الحِبالِ *** طَوعَ وُهوقِ الخَيلِ وَالرِجالِ
تَسيرُ سَيرَ النَعَمِ الأَرسالِ *** مُعتَمَّةً بِيُبَّسِ الأَجذالِ
وُلِدنَ تَحتَ أَثقَلِ الأَحمالِ *** قَد مَنَعَتهُنَّ مِنَ التَفالي
لا تَشرَكُ الأَجسامَ في الهُزالِ *** إِذا تَلَفَّتنَ إِلى الأَظلالِ
أَرَينَهُنَّ أَشنَعَ الأَمثالِ *** كَأَنَّما خُلِقنَ لِلإِذلالِ
زِيادَةً في سُبَّةَ الجُهّالِ *** وَالعُضوُ لَيسَ نافِعًا في حالِ
وَأَوفَتِ الفُدرُ مِنَ الأَوعالِ *** مُرتَدِياتٍ بِقِسِيِّ الضالِ
نَواخِسَ الأَطرافِ لِلأَكفالِ *** يَكَدنَ يَنفُذنَ مِنَ الآطالِ
لَها لِحىً سودٌ بِلا سِبالِ *** يَصلُحنَ لِلإِضحاكِ لا الإِجلالِ
كُلُّ أَثيثٍ نَبتُها مُتفالِ *** لَم تُغذَ بِالمِسكِ وَلا الغَوالي
تَرضى مِنَ الأَدهانِ بِالأَبوالِ *** وَمِن ذَكِيِّ المِسكِ بِالدِّمالِ
لَو سُرِّحَتْ في عارِضَي مُحتالِ *** لَعَدَّها مِن شَبَكاتِ المالِ
بَينَ قُضاةِ السَوءِ وَالأَطفالِ *** شَبيهَةِ الإِدبارِ بِالإِقبالِ
لا تُؤثِرُ الوَجهَ عَلى القَذالِ *** فَاختَلَفَتْ في وابِلَي نِبالِ
قَد أَودَعَتها عَتَلُ الرِجالِ *** في كُلِّ كِبدٍ كَبِدي نِصالِ
فَهُنَّ يَهوينَ مِنَ القِلالِ *** مَقلوبَةَ الأَظلافِ وَالإِرقالِ
يُرقِلنَ في الجَوِّ عَلى المَحالِ *** في طُرُقٍ سَريعَةِ الإيصالِ
يَنَمنَ فيها نيمَةَ المِكسالِ *** عَلى القُفِيِّ أَعجَلَ العِجالِ
لا يَتَشَكَّينَ مِنَ الكَلالِ *** وَلا يُحاذِرنَ مِنَ الضَلالِ
فَكانَ عَنها سَبَبَ التَرحالِ *** تَشويقُ إِكثارٍ إِلى إِقلالِ
فَوَحشُ نَجدٍ مِنهُ في بَلبالِ *** يَخَفنَ في سَلمى وَفي قِيال
ِنَوافِرَ الضَبابِ وَالأَورالِ *** وَالخاضِباتِ الرُبدِ وَالرِئالِ
وَالظَبيِ وَالخَنساءِ وَالذَيّالِ *** يَسمَعنَ مِن أَخبارِهِ الأَزوالِ
فُحولُها وَالعُوذُ وَالمَتالي *** تَوَدُّ لَو يُتحِفُها بِوالي
يَركَبُها بِالخُطمِ وَالرِحالِ *** يُؤمِنُها مِن هَذِهِ الأَهوالِ
وَيَخمُسُ العُشبَ وَلا تُبالي *** وَماءَ كُلِّ مُسبِلٍ هَطّالِ
يا أَقدَرَ السُفّارِ وَالقُفّالِ *** لَو شِئتَ صِدتَ الأُسدَ بِالثِعالي
أَو شِئتَ غَرَّقتَ العِدا بِالآلِ *** وَلَو جَعَلتَ مَوضِعَ الإِلالِ
لَم يَبقَ إِلا طَرَدُ السَعالي *** في الظُلَمِ الغائِبَةِ الهِلالِ
عَلى ظُهورِ الإِبِلِ الأُبّالِ *** فَقَد بَلَغتَ غايَةَ الآمالِ
فَلَم تَدَع مِنها سِوى المُحالِ *** في لا مَكانٍ عِندَ لا مَنالِ
يا عَضُدَ الدَولَةِ وَالمَعالي *** النَسَبُ الحَليُ وَأَنتَ الحالي
بِالأَبِ لا بِالشَنْفِ وَالخَلخالِ *** حَليًا تَحَلّى مِنكَ بِالجَمالِ
وَرُبَّ قُبحٍ وَحُلًى ثِقالِ *** أَحسَنُ مِنها الحُسنُ في المِعطالِ
فَخرُ الفَتى بِالنَفسِ وَالأَفعالِ *** مِن قَبلِهِ بِالعَمِّ وَالأَخوالِ

******************

1 مَلومُكُما يَجِلُّ عَنِ المَلامِ *** وَوَقعُ فَعالِهِ فَوقَ الكَلامِ
2 ذَراني وَالفَلاةَ بِلا دَليلٍ *** وَوَجهي وَالهَجيرَ بِلا لِثامِ
3 فَإِنّي أَستَريحُ بِذا وَهَذا *** وَأَتعَبُ بِالإِناخَةِ وَالمُقامِ
4 عُيونُ رَواحِلي إِن حُرتُ عَيني *** وَكُلُّ بُغامِ رازِحَةٍ بُغامي
5 فَقَد أَرِدُ المِياهَ بِغَيرِ هادٍ *** سِوى عَدِّي لَها بَرقَ الغَمامِ
6 يُذِمُّ لِمُهجَتي رَبّي وَسَيفي *** إِذا اِحتاجَ الوَحيدُ إِلى الذِمامِ
7 وَلا أُمسي لِأَهلِ البُخلِ ضَيفًا *** وَلَيسَ قِرىً سِوى مُخِّ النِعامِ
8 فَلَمّا صارَ وُدُّ الناسِ خِبًّا *** جَزَيتُ عَلى اِبتِسامٍ بِاِبتِسامِ
9 وَصِرتُ أَشُكُّ فيمَن أَصطَفيهِ *** لِعِلمي أَنَّهُ بَعضُ الأَنامِ
10 يُحِبُّ العاقِلونَ عَلى التَصافي *** وَحُبُّ الجاهِلينَ عَلى الوَسامِ
11 وَآنَفُ مِن أَخي لِأَبي وَأُمّي *** إِذا ما لَم أَجِدهُ مِنَ الكِرامِ
12 أَرى الأَجدادَ تَغلِبُها جميعًا *** عَلى الأَولادِ أَخلاقُ اللِئامِ
13 وَلَستُ بِقانِعٍ مِن كُلِّ فَضلٍ *** بِأَن أُعزى إِلى جَدٍّ هُمامِ
14 عَجِبتُ لِمَن لَهُ قَدٌّ وَحَدٌّ *** وَيَنبو نَبوَةَ القَضِمِ الكَهامِ
15 وَمَن يَجِدُ الطَريقَ إِلى المَعالي *** فَلا يَذَرُ المَطِيَّ بِلا سَنامِ
16 وَلَم أَرَ في عُيوبِ الناسِ شَيئًا *** كَنَقصِ القادِرينَ عَلى التَمامِ
17 أَقَمتُ بِأَرضِ مِصرَ فَلا وَرائي *** تَخُبُّ بِيَ المَطِيُّ وَلا أَمامي
18 وَمَلَّنِيَ الفِراشُ وَكانَ جَنبي *** يَمَلُّ لِقاءَهُ في كُلِّ عامِ
19 قَليلٌ عائِدي سَقِمٌ فُؤادي *** كَثيرٌ حاسِدي صَعبٌ مَرامي
20 عَليلُ الجِسمِ مُمتَنِعُ القِيامِ *** شَديدُ السُكرِ مِن غَيرِ المُدامِ
21 وَزائِرَتي كَأَنَّ بِها حَياءً *** فَلَيسَ تَزورُ إِلّا في الظَلامِ
22 بَذَلتُ لَها المَطارِفَ وَالحَشايا *** فَعافَتها وَباتَت في عِظامي
23 يَضيقُ الجِلدُ عَن نَفسي وَعَنها *** فَتوسِعُهُ بِأَنواعِ السِقامِ
24 إِذا ما فارَقَتني غَسَّلَتني *** كَأَنّا عاكِفانِ عَلى حَرامِ
25 كَأَنَّ الصُبحَ يَطرُدُها فَتَجري *** مَدامِعُها بِأَربَعَةٍ سِجامِ
26 أُراقِبُ وَقتَها مِن غَيرِ شَوقٍ *** مُراقَبَةَ المَشوقِ المُستَهامِ
27 وَيَصدُقُ وَعدُها وَالصِدقُ شَرٌّ *** إِذا أَلقاكَ في الكُرَبِ العِظامِ
28 أَبِنتَ الدَهرِ عِندي كُلُّ بِنتٍ *** فَكَيفَ وَصَلتِ أَنتِ مِنَ الزِحامِ
29 جَرَحتِ مُجَرَّحًا لَم يَبقَ فيهِ *** مَكانٌ لِلسُيوفِ وَلا السِهامِ
30 أَلا يا لَيتَ شَعرَ يَدي أَتُمسي *** تَصَرَّفُ في عِنانٍ أَو زِمامِ
31 وَهَل أَرمي هَوايَ بِراقِصاتٍ *** مُحَلّاةِ المَقاوِدِ بِاللُغامِ
32 فَرُبَّتَما شَفَيتُ غَليلَ صَدري *** بِسَيرٍ أَو قَناةٍ أَو حُسامِ
33 وَضاقَت خُطَّةٌ فَخَلَصتُ مِنها *** خَلاصَ الخَمرِ مِن نَسجِ الفِدامِ
34 وَفارَقتُ الحَبيبَ بِلا وَداعٍ *** وَوَدَّعتُ البِلادَ بِلا سَلامِ
35 يَقولُ لي الطَبيبُ أَكَلتَ شَيئًا *** وَداؤُكَ في شَرابِكَ وَالطَعامِ
36 وَما في طِبِّهِ أَنّي جَوادٌ *** أَضَرَّ بِجِسمِهِ طولُ الجِمامِ
37 تَعَوَّدَ أَن يُغَبِّرَ في السَرايا *** وَيَدخُلَ مِن قَتامِ في قَتامِ
38 فَأُمسِكَ لا يُطالُ لَهُ فَيَرعى *** وَلا هُوَ في العَليقِ وَلا اللِجامِ
39 فَإِن أَمرَض فَما مَرِضَ اِصطِباري *** وَإِن أُحمَمْ فَما حُمَّ اِعتِزامي
40 وَإِن أَسلَم فَما أَبقى وَلَكِن *** سَلِمتُ مِنَ الحِمامِ إِلى الحِمامِ
41 تَمَتَّع مِن سُهادِ أَو رُقادٍ *** وَلا تَأمُل كَرًى تَحتَ الرِجامِ
42 فَإِنَّ لِثالِثِ الحالَينِ مَعنىً *** سِوى مَعنى اِنتِباهِكَ وَالمَنامِ

***************

1 ما أَنا وَالخَمرُ وَبِطِّيخَةٌ *** سَوداءُ في قِشرٍ مِنَ الخَيزُرانْ
2 يَشغَلُني عَنها وَعَن غَيرِها *** تَوطينِيَ النَفسَ لِيَومِ الطِعانْ
3 وَكُلُّ نَجلاءَ لَها صائِكٌ *** يَخضُبُ ما بَينَ يَدي وَالسِنانْ

****************

1 ما أَنصَفَ القَومُ ضَبَّةْ *** وَأُمَّهُ الطُرطُبَّةْ
2 رَمَوا بِرَأسِ أَبيهِ *** وَباكَوا الأُمَّ غُلُبَّةْ
3 فَلا بِمَن ماتَ فَخرٌ *** وَلا بِمَن نيكَ رَغبَةْ
4 وَإِنَّما قُلتُ ما قُلـ *** ـتُ رَحمَةً لا مَحَبَّةْ
5 وَحيلَةً لَكَ حَتّى *** عُذِرتَ لَو كُنتَ تيبَه
6 وَما عَلَيكَ مِنَ القَتـ *** ـلِ إِنَّما هِيَ ضَربَةْ
7 وَما عَلَيكَ مِنَ الغَد *** رِ إِنَّما هُوَ سُبَّةْ
8 وَما عَلَيكَ مِنَ العا *** رِ أنَّ أُمَّكَ قَحبَةْ
9 وَما يَشُقُّ عَلى الكَلـ *** ـبِ أَن يَكونَ ابنَ كَلبَةْ
10 ما ضَرَّها مَن أَتاها *** وَإِنَّما ضَرَّ صُلبَه
11 وَلَم يَنِكها وَلَكِن *** عِجانُها ناكَ زُبَّه
12 يَلومُ ضَبَّةَ قَومٌ *** وَلا يَلومونَ قَلبَه
13 وَقَلبُهُ يَتَشَهّى *** وَيُلزِمُ الجِسمَ ذَنبَه
14 لَو أَبصَرَ الجِذعَ شَيئًا *** أَحَبَّ في الجِذعِ صَلبَه
15 يا أَطيَبَ الناسِ نَفسًا *** وَأَليَنَ الناسِ رُكبَةْ
16 وَأَخبَثَ الناسِ أَصلًا *** في أَخبَثِ الأَرضِ تُربَةْ
17 وَأَرخَصَ الناسِ أُمًّا *** تَبيعُ أَلفًا بِحَبَّةْ
18 كُلُّ الفُعولِ سِهامٌ *** لِمَريَمٍ وَهيَ جَعبَةْ
19 وَما عَلى مَن بِهِ الدا *** ءُ مِن لِقاءِ الأَطِبَّةْ
20 وَلَيسَ بَينَ هَلوكٍ *** وَحُرَّةٍ غَيرُ خِطبَةْ
21 يا قاتِلًا كُلَّ ضَيفٍ *** غَناهُ ضَيحٌ وَعُلبَةْ
22 وَخَوفُ كُلِّ رَفيقٍ *** أَباتَكَ اللَيلُ جَنبَه
23 كَذا خُلِقتَ وَمَن ذا الـ *** ـلَذي يُغالِبُ رَبَّه
24 وَمَن يُبالي بِذَمٍّ *** إِذا تَعَوَّدَ كَسبَه
25 أَما تَرى الخَيلَ في النَخـ *** ـلِ سُربَةً بَعدَ سُربَةْ
26 عَلى نِسائِكَ تَجلو *** فَعولَها مُنذُ سَنبَةْ
27 وَهُنَّ حَولَكَ يَنظُر *** نَ وَالأُحَيراحُ رَطبَةْ
28 وَكُلُّ غُرمولِ بَغلٍ *** يَرَينَ يَحسُدنَ قُنبَهْ
29 فَسَل فُؤادَكَ يا ضَبـ *** ـبَ أَينَ خَلَّفَ عُجبَهْ
30 وَإِن يَخُنكَ لَعَمري *** لَطالَما خانَ صَحبَهْ
31 وَكَيفَ تَرغَبُ فيهِ *** وَقَد تَبَيَّنتَ رُعبَهْ
32 ما كُنتَ إِلّا ذُبابًا *** نَفَتكَ عَنّا مِذَبَّه
33 وَكُنتَ تَفخَرُ تيهًا *** فَصِرتَ تَضرِطُ رَهبَةْ
34 وَإِن بَعُدنا قَليلًا *** حَمَلتَ رُمحًا وَحَربَةْ
35 وَقُلتَ لَيتَ بِكَفّي *** عِنانَ جَرداءَ شَطبَةْ
36 إِن أَوحَشَتكَ المَعالي *** فَإِنَّها دارُ غُربَةْ
37 أَو آنَسَتكَ المَخازي *** فَإِنَّها لَكَ نِسبَةْ
38 وَإِن عَرَفتَ مُرادي *** تَكَشَّفَت عَنكَ كُربَةْ
39 وَإِن جَهِلتَ مُرادي *** فَإِنَّهُ بِكَ أَشبَه

***************
واحـر قلــــباه ممــن قلبــه شبــم **** ومن بجسمـي وحـالي عنده سقـم

مـــا لـي أكتم حبا قد برى جسدي **** وتدعي حب سيف الدولة الأمم

إن كــــان يجمعــنا حب لغرتــه **** فليت أنا بقدر الحــــب نقتســـم

قد زرته و سيوف الهند مغمـــدة **** وقد نظرت إليه و السيـوف دم

فكان أحسن خلــــق الله كلهـــم **** وكـان أحسن مافي الأحسن الشيم

فوت العــدو الذي يممـــته ظفر **** في طــيه أسف في طـــيه نعــــم

قد ناب عنك شديد الخوف واصطنعت **** لك المهابــــــة مالا تصنع البهم

ألزمت نفسك شيــــئا ليس يلزمها ****أن لا يواريـهم بحر و لا علم

أكلــما رمت جــيشا فانثنى هربا **** تصرفت بك في آثاره الهمــم

عليك هــــزمهم في كل معتـرك **** و ما عليــك بهم عار إذا انهزموا

أما ترى ظفرا حلوا سوى ظفر**** تصافحت فيه بيض الهندو اللمم

يا أعدل الناس إلا في معــاملتي **** فيك الخصام و أنت الخصم والحكم

أعيذها نظـــرات منك صادقـــة **** أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم

وما انتفاع اخي الدنيا بناظـــره ****إذا استـــوت عنده الأنوار و الظلم

سيعلـم الجمع ممن ضم مجلسنا **** باننــي خير من تسعى به قـــــدم

انا الذي نظر العمى إلى ادبــي **** و أسمعـت كلماتي من به صمــم

انام ملء جفوني عن شواردها **** ويسهر الخلق جراها و يختصم

و جـــاهل مده في جهله ضحكي **** حتى اتتــــه يــد فراســة و فم

إذا رايـــت نيوب الليــث بارزة **** فلا تظنـــن ان الليــث يبتســم

و مهجـة مهجتي من هم صاحبها **** أدركتـــه بجواد ظهره حـــرم

رجلاه في الركض رجل و اليدان يد **** وفعلـــه ماتريد الكف والقدم

ومرهف سرت بين الجحفليـــن به **** حتى ضربت و موج الموت يلتطم

الخيل والليل والبيــداء تعرفنــــي **** والسيف والرمح والقرطاس و القلم

صحبـت في الفلوات الوحش منفردا ****حتى تعجـــب مني القور و الأكــم

يــــا من يعز عليـــنا ان نفارقهـــم **** وجداننـا كل شيء بعدكم عــدم

مــا كان أخلقــنا منكم بتكـــرمة **** لـو ان أمــركم من أمرنـا أمــم

إن كــان سركـم ما قال حاسدنا **** فما لجـــرح إذا أرضاكـــم ألــم

و بينــنا لو رعيتم ذاك معرفــة **** غن المعـارف في اهل النهـى ذمم

كم تطلبـــون لنا عيبـا فيعجزكم **** و يكره الله ما تأتون والكــرم

ما أبعد العيب و النقصان عن شرفي **** أنا الثـــريا و ذان الشيب و الهرم

ليـت الغمام الذي عندي صواعقه **** يزيلهـن إلى من عنـده الديــم

أرى النوى تقتضينني كل مرحلة **** لا تستقـل بها الوخادة الرسـم

لئن تركـن ضميرا عن ميامننا **** ليحدثن لمـن ودعتهــم نـدم

إذا ترحلت عن قـوم و قد قـدروا **** أن لا تفارقهم فالـراحلون هــم

شــر البلاد مكان لا صــديق بــه **** و شر ما يكسب الإنسان ما يصم

و شـر ما قنصته راحتي قنص **** شبه البزاة سواء فيه و الرخم

بأي لفظ تقـول الشعــر زعنفة **** تجـوز عندك لا عــرب ولا عجم

هذا عـتابـك إلا أنـه مقـت **** قـد ضمـن الدر إلا أنه كلم


النَّـاسُ مَا لَـم يَـرَوكَ أَشبـاهُ
وَالدَّهـرُ لَفـظٌ وَأَنـتَ مَعنـاهُ
وَالجودُ عَيـنٌ وَأَنـتَ ناظِرُهـا
وَالبَـأسُ بـاعٌ وَأَنـتَ يُمنـاهُ
أَفدِي الَّذي كُلُّ مَـأزِقٍ حَـرِجٍ
أَغبَـرَ فُـرسـانُـهُ تَحـامـاهُ
أَعلَى قَنـاةِ الحُسَيـنِ أَوسَطُـها
فِيـهِ وَأَعلَـى الكَمِـيَّ رِجـلاهُ
تُنشِــدُ أَثـوابُنـا مَـدائِحُـهُ
بِـأَلسُــنٍ مـالَهُـنَّ أَفـواهُ
إِذا مَرَرنا عَلـى الأَصَـمِّ بِهـا
أَغنَتـهُ عَـن مِسمَعَيـهِ عَينـاهُ
سُبحـانَ مَن خـارَ لِلكَواكِـبِ
بِالبُعدِ وَلَو نِلـنَ كُـنَّ جَـدواهُ
لَو كانَ ضَوءُ الشُّموسِ فِي يَـدِهِ
لَصـاعَـهُ جـودُهُ وَأَفـنــاهُ
يَا رَاحِـلاً كُـلُّ مَـن يُوَدِّعُـهُ
مُـوَدِّعٌ ديـنَـهُ وَدُنـيــاهُ
إِن كَانَ فِيـما نَـراهُ مِن كَـرَمٍ
فيـكَ مَـزيـدٌ فَــزادَكَ اللهُ

*******************


بَكَيتُ يَا رَبعُ حَتَّى كِدتُ أَبكِيكَـا
وَجُدتُ بِي وَبِدَمعِي فِي مَغانِيكـا
فَعِم صَباحاً لَقَد هَيَّجتَ لِي شَجَنـاً
وَاِردُد تَحِيَّتَنـا إِنَّـا مُحَيُّـوكـا
بِأَيِّ حُكمِ زَمانٍ صِـرتَ مُتَّخِـذاً
رِئمَ الفَلا بَدَلاً مِن رِئـمِ أَهلِيكـا
أَيَّامَ فِيكَ شُموسٌ مَا انبَعَثـنَ لَنـا
إِلاَّ ابتَعَثنَ دَماً بِاللَّحـظِ مَسفوكـا
وَالعَيشُ أَخضَرُ وَالأَطلالُ مُشرِفَـةٌ
كَـأَنَّ نُـورَ عُبَيـدِ اللهِ يَعلوكـا
نَجا امرُؤٌ يا ابنَ يَحيَى كُنتَ بُغيَتَـهُ
وَخابَ رَكبُ رِكابٍ لَم يَأُمُّوكـا
أَحيَيتَ لِلشُعَراءِ الشِّعرَ فَامتَدَحـوا
جَميعَ مَن مَدَحوهُ بِالَّـذي فِيكـا
وَعَلَّموا النَّاسَ مِنكَ المَجدَ وَاقتَدَروا
عَلى دَقيقِ المَعانِـي مِـن مَعانِيكـا
فَكُن كَما أَنتَ يَا مَن لا شَبيهَ لَـهُ
أَو كَيفَ شِئتَ فَما خَلقٌ يُدانِيكـا
شُكرُ العُفاةِ لِما أَولَيـتَ أَوجَدَنِـي
إِلَى نَداكَ طَريقَ العُرفِ مَسلوكـا
وَعُظمُ قَدرِكَ فِي الآفاقِ أَوهَمَنِـي
أَنِّي بِقِلَّـةِ مَـا أَثنَيـتُ أَهجوكـا
كَفَى بِأَنَّكَ مِن قَحطانَ فِي شَـرَفٍ
وَإِن فَخَرتَ فَكُـلٌّ مِـن مَوالِيكـا
وَلَو نَقَصتُ كَما قَد زِدتُ مِن كَرَمٍ
عَلى الوَرَى لَرَأَونِي مِثـلَ شانِيكـا
لَبَّى نَداكَ لَقَـد نَـادَى فَأَسمَعَنِـي
يَفديكَ مِن رَجُلٍ صَحبِي وَأَفدِيكـا
مَا زِلتَ تُتبِعُ مَا تولِـي يَـداً بِيَـدٍ
حَتَّى ظَنَنتُ حَياتِـي مِن أَيادِيكـا
فَإِن تَقُل هَا فَعاداتٌ عُرِفـتَ بِهـا
أَو لاَ فَإِنَّكَ لاَ يَسخو بِهـا فوكـا

***********

أتُـراهـا لكَـثْـرَةِ الـعُـشّـاقِ
تَحْسَبُ الدّمـعَ خِلقَـةً فِي المآقـي
كيفَ تَرْثي التـي ترَى كلَّ جَفْـنٍ
راءها غَيـرَ جَفْنِـها غَيـرَ راقـي
أنْتِ مِنّـا فَتَنْـتِ نَفسَـكِ لَكِنّـكِ
عُوفِيـتِ مِـنْ ضَنًـى واشتـيـاقِ
حُلتِ دونَ المَزارِ فاليَـوْمَ لـوْ زُرْتِ
لـحـالَ النُّحـولُ دونَ العِـنـاقِ
إنّ لَحْـظـاً أدَمْـتِـهِ وأدَمْـنَـا
كانَ عَمـداً لَنـا وحَتـفَ اتّفـاقِ
لوْ عَدا عَنكِ غيـرَ هجـرِكِ بُعـدٌ
لأرارَ الـرّسيـمُ مُـخَّ الـمَنَاقـي
ولَسِـرْنـا ولَـوْ وَصَلْنـا عَلَيـها
مثـلَ أنْفـاسِنـا علـى الأرْمـاقِ
ما بِنا مِنْ هـوَى العُيـونِ اللّواتـي
لَـوْنُ أشفـارِهِـنّ لَـوْنُ الحِـداقِ
قَصّـرَتْ مُـدّةَ اللّيالـي المَواضِـي
فأطالَـتْ بِهَـا اللّيالـي البَواقـي
كاثَرَتْ نائِـلَ الأميـرِ مِـنَ المـالِ
بِـمَـا نَـوّلَـتْ مِـنَ الإيـراقِ
لَيـسَ إلاّ أبـا العَشائِـرِ خَـلْـقٌ
سـادَ هـذا الأنـامَ باستِحـقـاقِ
طـاعـنُ الطّعنَـةِ التـي تَطْعَـنُ
الفيلَـقَ بالذّعْـرِ والـدّمِ المُهـرَاقِ
ذاتُ فَـرْغٍ كـأنّهـا فِـي حَشَـا
المُخْبَرِ عَنـها من شِـدّةِ الإطْـراقِ
ضارِبُ الـهَامِ فِي الغُبارِ وَمَا يَرْهَبُ
أَنْ يَـشـرَبَ الـذي هُـوَ سَـاقِ
فَـوْقَ شَقّـاءَ للأشَـقِّ مَـجَـالٌ
بَيـنَ أرْساغِهـا وبَيـنَ الصّفـاقِ
مـا رآهـا مكَـذِّبُ الرُّسـلِ إلاّ
صَدّقَ القَـوْلَ فِي صِفـاتِ البُـراقِ
هَمُّـهُ فِـي ذوي الأسِنّـةِ لا فيـها
وأطْـرافُـهـا لَـهُ كالـنّـطـاقِ
ثاقـبُ الـرّأيِ ثابِـتُ الـحِلْـمِ
لا يَقـدِرُ أمْـرٌ لَـهُ علـى إقْـلاقِ
يا بَنـي الحـارِثِ بـنِ لُقمـانَ لا
تَعدَمْكُمُ فِي الوَغى مُتـونُ العِتـاقِ
بَعَثُوا الرُّعبَ فِي قُلـوبِ الأعـاديِّ
فكـانَ القِتـالُ قَبـلَ التّـلاقـي
وتكـادُ الظُّبَـى لِمَـا عَـوّدوهـا
تَنْتَضِـي نَفْسَـها إلـى الأعْـنـاقِ
وإذا أشفَـقَ الفَـوارِسُ مِـنْ وَقْـعِ
القَنَـا أشفَقـوا مِـنَ الإشْـفـاقِ
كلُّ ذِمرٍ يـزْدادُ فِي المـوْتِ حُسنـاً
كَبُـدورٍ تَمامُهـا فِـي الـمُحـاقِ
جـاعِـلٍ دِرْعَـهُ مَـنِـيّـتَـهُ إنْ
لَمْ يكُـنْ دونَهـا مـنَ العـارِ واقِ
كَرَمٌ خَشّـنَ الـجَـوانبَ مِنهُـمْ
فَهْوَ كالـماءِ فِي الشّفـارِ الرّقـاقِ
ومَعـالٍ إذا ادّعـاهـا سِـواهُـمْ
لَـزِمَـتْـهُ جِنـايَـةُ الـسُّـرّاقِ
يابنَ مَنْ كُلّما بَـدَوْتَ بـدا لـي
غائبَ الشّخصِ حاضـرَ الأخـلاقِ
لـوْ تَنَكّـرْتَ فِـي المَكَـرّ لقَـوْمٍ
حَلَفُـوا أنّـكَ ابنُـهُ بالـطّـلاقِ
كيـفَ يَقـوَى بكَفّـكَ الـزَّنـدُ
والآفاقُ فيها كالكـفّ فِي الآفـاقِ
قَـلّ نَفْـعُ الحَديـدِ فيـكَ فَمـا
يَلقـاكَ إلاّ مَنْ سَيفُـهُ مِـنْ نِفـاقِ
إلْـفُ هـذا الـهَواءِ أوْقَـعَ فِـي
الأنْفُـسِ أنّ الحِمـامَ مُـرُّ المَـذاقِ
والأسَـى قبلَ فُرْقَةِ الـرّوحِ عجـزٌ
والأسَـى لا يَكـونُ بَعـدَ الفِـراقِ
كمْ ثَـراءٍ فَرَّجـتَ بالرّمْـحِ عنـهُ
كـانَ مِن بُخـلِ أهلِـه فِي وِثـاقِ
والغِنـى فِـي يَـدِ اللّئيـمِ قَبيـحٌ
قَـدْرَ قُبْـحِ الكَريـمِ فِي الإمْـلاقِ
ليس قَوْلي فِي شَمسُ فِعلكَ كالشّمْسِ
ولكـن كالشّمـسِ فِي الإشـراقِ
شاعـرُ المَجْـدِ خِـدْنُـهُ شاعـرُ
اللّفْظِ كِلانا رَبُّ المَعانِـي الدّقـاقِ
لَمْ تَـزَلْ تَسمَـعُ المَديـحَ ولكِـنّ
صَهيـلَ الـجِيـادِ غَيـرُ النُّـهاقِ
ليتَ لي مثلَ جَـدّ ذا الدّهـرِ فِـي
الأدهُـرِ أوْ رِزْقِــهِ مـنَ الأرزاقِ
أنْـتَ فيـهِ وكـانَ كـلُّ زَمـانٍ
يَشتَهـي بَعـضَ ذا على الخَـلاّقِ

*******************

وفــــــــــــــاته ............


كان ضبة بن يزيد العتبي غداراً بكل من نزل به وكان بذيء اللسان ، خرج مع عائلته يوماً فاعترضه قوم من بني كلاب فقتلوا أباه وسبوا أمه وفسقوا بها

وكان أبو الطيب المتنبي قد مر بضبة مع جماعة من أهل الكوفة فأقبل ضبة يجاهر بشتمهم وسبهم

فأراد رفاق المتنبي الرد عليه بمثل ألفاظه القبيحة فطلبوا من أبي الطيب ذلك فقال قصيدته التي مطلعها

ما أنصفَ القومُ ضبّة

ونذكر منها أبياتاً عدة ونترك الباقي لما فيها من أبشع الألفاظ وأقذع العبارات ، وهي


ما أنصف القومُ ضبّة وأمه الطرطبّة
فلا بمن مات فخرٌو لا بمن عاش رغبة
و إنما قلت ما قلت رحمة لا محبة
و حيلة لك حتى عذرت لو كنت تيبه
و ما عليك من القتل إنما هي ضربة
و ما عليك من الغدر إنما هو سبة

وقد جاء فيها كلاماً بذيئاً وفحشاً مذكراً إياه ما حصل له مع الأعراب من اعتراضهم له وفسقهم بأمه

وقد احتوت القصيدة من أبشع الألفاظ والعبارات ما جعل المتنبي ينكر إنشادها كما قال الواحدي أحد شرّاح ديوان المتنبي

علم فاتك بن أبي الجهل الأسدي ( خال ضبة ) بالقصيدة فغضب عند سماعها وأراد الإنتقام لأخته وابنها ضبة فاعترض لأبي الطيب وهو في طريقه إلى بغداد فالكوفة وواجهه بنحو 30 من رجاله وقيل 60 فقاتله المتنبي حتى قتل هو وابنه محسّد وعدد ممن كانوا معه

وقد قيل إن أبا الطيب لما رأى كثرة رجال فاتك وأحس بالغلبة لهم أراد الفرار فقال له غلام له : لا يتحدث الناس عنك بالفرار وأنت القائل

الخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفني
والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ

فكر راجعاً وقاتل حتى قتل سنة 354 هـ

هذه هي قصة مقتل أبي الطيب المتنبي كما جاءت في كتب الأدب والتاريخ والشعر والتراجم

إلى هنا تنتهي رحلتنا في حياة شاعر عظيم شاعر التاريخ ابي الطيب المتنبي ، على أمل أن أكون قد وفيت بكافة المعلومات عن حياته وقصائده وعلى امل ان تكونوا قد استمتعتم معنا واستفدتم الكثير .
نلتقي في حلقة اخرى وحياة شاعر آخر .
لكم مني فائق الاحترام والتقدير.
ع م ر

من الشاعر التالي





















 
التوقيع - ابو عمر


التعديل الأخير تم بواسطة ابو عمر ; 03-30-2010 الساعة 04:30 PM
  رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الذاكرة, شعراء


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مقطع من شريط الذاكرة بشار الدرويش حديث الروح ... 5 02-18-2010 05:43 PM
{الذاكرة}لشاعر محمد عيسى حازم محمود الفدعوس بوح القوافي 2 04-22-2009 12:04 AM


الساعة الآن 09:32 AM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. , Designed & TranZ By Almuhajir
+:: تصميم وتطوير فريق الزيني 2009 : حمزة الزيني ::+