والواضح أن جل ضحك النبي صلى الله عليه وسلم كانالتبسم، وربما زاد على ذلك حتى تبدو نواجذه، أي أضراسه فكان ضحكه صلى الله عليهوسلم فيه وقار ولا يصدر عنه صوت أو قهقهة ونحو ذلك.
الضحك
وردتاحاديث تبين ملامح وقسمات ضحك النبي صلى الله عليه وسلم ، فعن عمر رضي الله عنهقال: “ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من أحسن الناس ثغراً”.
وعن أبيذر رضي الله عنه قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدتنواجذه.
والناظر الى جملة الاحاديث التي وردت في صفة ضحك النبي صلى اللهعليه وسلم ، يجد أن معظم ضحكه صلى الله عليه وسلم كان التبسم، وفي بعض الأحوال ربماضحك حتى بدت نواجذه.
ويذكر ان المصطفى عليه الصلاة والسلام كان دائم التبسم،ومن أحسن الناس ثغراً وأطيبهم نفسا وكان صلى الله عليه وسلم في بيته من أكثر الناستبسما، كما كان يبتسم عندما ينشد الصحابة الشعر ويتضاحكون. فعن جابر بن سمره رضيالله عنه سئل: “أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، كان طويلالصمت، وكان أصحابه يتناشدون الأشعار، ويذكرون أشياء من أمر الجاهلية، فيضحكونويبتسم رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا ضحكوا”.
ولم تقتصر بشاشهالنبي وضحكه وفرحه مع اصحابه فقط، بل كان لاعدائه جزء منها، فقد كان النبي صلى اللهعليه وسلم طلق الوجه بشوشا حتى مع من لا يحبه، وكان اذا قابله واحد من اعدائه تبسمفي وجهه، وموقف الرسول صلى الله عليه وسلم من عيينة بن حصن يدل على ذلك،فقد كان هذاالرجل من جفاة الاعراب الذين يتآلفهم النبي صلى الله عليه وسلم رجاء ان يسلم قومهفتبسم النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه.
وكان جابر بن عبد الله قال: “دخلأبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد الناس جلوسا ببابه لم يؤذنلأحد منهم،قال: أذن لأبي بكر فدخل، ثم أقبل عمر فأذن له، فوجد النبي صلى الله عليهوسلم جالسا حوله نساؤه واجما ساكتا، قال: فقال عمر: لأقولن شيئا اضحك النبي صلىالله عليه وسلم، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله لو رأيت بنتاً خارجةسألتني النفقة فقمت اليها فوجأت أي طعنت عنقها”.
فضحك رسول الله صلى اللهعليه وسلم وقال: “هن حولي كما ترى يسألنني النفقة”.
ويروى أن الرسول صلىالله عليه وسلم كان يضحك من تغير طبيعة المرء بتغير الحال والظروف التي يكون فيها،ففي موقف سقيا المطر ضحك النبي صلى الله عليه وسلم مما رآه من تناقض عندما تغير حالالناس الذين ارادوا المطر.
وتقص السيدة عائشة رضي الله عنها ذلك الموقففتقول: “شكا الناس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع لهفي المصلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد علىالمنبر فكبر وحمد الله سبحانه وتعالى ثم قال: إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطرعن إيان زمانه عنكم، وقد أمركم الله ان تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم.. ثم رفع يديهفلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه ثم حول الى الناس ظهره وقلب أو حول رداءه وهورافع يديه ثم اقبل على الناس، ونزل فصلى ركعتين فانشأ الله سحابة فرعدت وبرقت ثمأمطرت بإذن الله فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم ضحك صلى الله عليهوسلم حتى بدت نواجذه، فقال: أشهد أن الله على كل شئ قدير وأنني عبد اللهورسوله”.
فرح بالنصر
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفرح ويضحك عندمايحقق ما يريد، وخاصة عندما ينصره الله على أهل الكفر والشرك، ومن هذه المواقف، لماكان يوم أحد جاءت نسوة من المؤمنين الى ساحة القتال بعد نهاية المعركة، وكانت فيهؤلاء النسوة أم أيمن، وكانت رأت فلول المسلمين يريدون دخول المدينة، فأخذت تحثو فيوجوههم التراب، وتقول لبعضهم: هاك المغزل، وهلم سيفك، ثم سارعت الى ساحة القتال،فأخذت تسقي الجرحى، فرماها حبان بن العرقة بسهم، فوقعت، وتكشفت، فأغرق عدو الله فيالضحك، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدفع الى سعد بن ابي وقاص سهمالا نصل له، وقال: “ارم به” فوقع السهم في نحر حبان، فوقع مستلقيا حتى تكشف، فضحكرسول الله، حتى بدت نواجذه ثم قال: “استقاد لها سعد”.
وجاء رسول قيصر الروميحمل رسالته الى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أتى النبي صلى الله عليه وسلم عرضعليه رسول الله الاسلام، فأبى ان يسلم، وقال إنني اقبلت من قبل قوم وأنا فيهم علىدين، ولست مستبدلا بدينهم حتى أرجع اليهم. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتبسم، وقرأ قول الله تعالى: “إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء” سورة (القصص 56).
ومن الاشياء التي كانت تضحك وتفرح النبي صلى الله عليه وسلمالمواقف والحوادث المتناقضة، ومنها ذلك الرجل الذي عليه كفارة ظهار مع امرأته وقبلان يكفر عن الظهار والتكفير عن الظهار بعتق رقبة، وان لم يجد فصيام شهرين متتابعينولكن الرجل قبل أن يقضي الشهرين وقع على زوجته، فضحك النبي صلى الله عليه وسلملتبريره وذكره السبب في ذلك.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “إن رجلاظاهر امرأته فغشيها قبل ان يكفّر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له،فقال: ما حملك على ذلك ؟ فقال: يا رسول الله، رأيت بياض حجليها في القمر فلم أملكنفسي أن وقعت عليها، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره ألا يقربها حتىيكفّر”.
ويروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يضحك ويفرح من الافعال التيتقوم بها بعض أزواجه أمامه مزاحا، وتروي السيدة عائشة رضي الله عنها فتقول: “أتيتبخزيرة طبختها، فقلت لسودة والنبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينها، كلي، فأبت،فقلت: لتأكلي أو لألطخن وجهك، فأبت فوضعت يدي فيها فلطختها وطليت وجهها فضحك النبيصلى الله عليه وسلم، فمر عمر فقال: يا عبد الله.. يا عبد الله، فظن النبي صلى اللهعليه وسلم أنه سيدخل، فقال: قوما فاغسلا وجهيكما، تقول عائشة: فما زلت أهاب عمرلهيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
اللهم صلي وسلم على رسولنا الكريم