رفض حمدان تولي القضاء

[الدكتور عياد خيرالله]

رفض حمـدان تولي القضاء

لازلت أذكر صديقي حمدان الذي تعرفت إليه وأنا أعمل في إحدى الدول العربية ، عندما كان حمدان طالبا جامعيا، عُرف أنه شاب ذكي لماح ،لا يغيب اسمه عن الأوائل في قوائم النجاح ،تراه دائما متوقد الذهن ، حاضر البديهة، متجدد النشاط ، المشارك الأول في الندوات ، ومختلف الأندية والمناسبات ، هو كاتب أديب ، ومتحدث بارع خطيب ، إنه مثال للطالب الجامعي النشيط ...مرت الأعوام الجامعية سريعة على حمدان .. وأعلنت نتائج التخرج .. لم يخيّب الآمال فكان من الأوائل المبرزين في الجامعة ، ومن عادة الجامعة أن تدفع بخريجيها الأوائل إلى مجلس القضاء ليعينوا قضاة في المحاكم ، كان حمدان من بين مَنْ ندب لتولي القضاء .. فكان هذا الأمر مصيبة عنده ؛ هو يرفض تولي القضاء بإصرار.. فما الذي يفعله للتخلص من هذا الابتلاء غدا عندما يقابل لجنة اختيار القضاة ..؟ فكّر كثيرا .. وأخيراً اهتدى إلى الحل .. سيضع في جيب صدر ثوبه الأبيض الشفاف علبة (سجائر مالبوروا ) الحمراء اللون ، وستكون في مرآى لجنة المقابلة ، ولاشك أنهم سيرفضونه على الفور ؛ لأنهم يعدّون الدخان كبيرة لا يمكن لمن يتولى القضاء أن يرتكبها .. اطمأن إلى هذه الفكرة ، ونفذها عندما حضر لمقابلة اللجنة ، لكن اللجنة لم تنخدع بهذه الحيلة ، وبخاصة أن بعضهم كان يدرّسه في الجامعة ، ويعرف سلوكه جيدا .. ألزموه بالقضاء ، لكنه رفض بإلحاح وتعذر إليهم بأعذار متعددة جعلتهم يعفونه من هذه المهمة .
التقيت حمدان بعد مقابلة اللجنة كان جذلان فرحا .. قال لي : الحمد لله .. تخلصت من هذا الكابوس وأرحت نفسي .. قلت : أي كابوس تتحدث عنه ؟ قال : سلمتُ من القضاء وتبعاته .. أعفوني من هذه المهمة بفضل الله وحمده .. قلت غاضبا: تحمد الله أنك تخلصت من تولي القضاء ..! من يتولى القضاء إذا كنت وأمثالك تتخلون عن هذه المهمة ..! ؟ قال : لا تخف على القضاء .. إنهم كثر.. يرون في أنفسهم القدرة على تولي القضاء ، بل إنهم يسعون إلى ذلك بكل الوسائل والطرق .. قلت أعرف ذلك لكنني أتوسم فيك الصلاح والتقى ، ومن حق الحاكم أن يلزمك ، ومن واجبك أن تقبل .. قال : أنا أعرف الحكم الفقهي في ذلك : إذا انعدم في البلد منْ يتولى القضاء فمن حق الحاكم أن يلزمني ، ومن واجبي أن أقبل ، ولكن الأمر يختلف .. قلت لماذا رفضت تولي القضاء ؟ .. إنك تفرط في مستقبلك .. قال : يا أستاذ اسمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( القضاة ثلاثة: قاضيان في النار،وقاض في الجنة، قاض قضى بغير حق وهو يعلم فذاك في النار، وقاض قضى وهو لا يعلمفأهلك حقوق الناس فذاك في النار، وقاض قضى بالحق فذاك في الجنة ) أليس من حقيأن أجنب نفسي دخول النار ، أنا لا آمن على نفسي من الوقوع في الزلل فأدخل النار لا آمن أن أضعف إذا وقعت تحت تهديد أو وعيد تحت ترغيب أو ترهيب ، تحت مؤثر عاطفي أو عشائري .. الأمر ليس بالسهل .. إنه جنة أو نار .. إنه المستقبل الأبدي الذي ينتظرني .. وليس من السهل عليَ أن أفرط في هذا المستقبل .. ثم قال أنا لست أول من رفض تولي القضاء ، فقد رفضه من هو خير وأعلم مني .. رفضه من العلماء أبو علي البصري: لما عرض عليه رفضه ، وأنشد قائلا:

كسرة خبز وقعب ماء **** وسحق ثوب مع السلامه
خير من العيش في نعيم **** يكون من بعده ندامه

أدركت أن حمدان عازم على رفضه تولي القضاء ، لا يقبل أي رأي يثنيه عن عزمه .. وتذكرت ما ترويه الكتب عن قصة أبي حنيفة عندما رفض بإصرار شديد تولي القضاء .. تقول كتب التراجم والسير : ( نقل المنصور أبا حنيفة من الكوفة إلى بغداد وأراده على القضاء، فأبى ، فحلف عليه ليَفعلنّ ، فحلف أبو حنيفة أن لا يفعل ، فقال الربيع: ألا ترى أمير المؤمنين يحلِف، فقال أبو حنيفة: أمير المؤمنين أقدَرُ مني على كفّارة اليمين، وأبى الولاية، فأمر بحبسه في الوقت، وقيل إنه قال له: اتقِ الله ولا ترعى في أمانتك إلا من يخاف الله واللهِ ما أنا مأمون الرضى فكيف أكون مأمون الغضب ؟ ولو اتجه الحُكم عليك ثمّ تهدّدَتني أن تغرِّقني في الفرات أو أَلِىَ الحُكم لا اخترتُ أن أَغرقَ في الفرات، ولك حاشيةٌ يحتاجون إلى مَن يُكرِمهم لك ولا أصلح لذلك، فقال له: كذبتَ أنت تصلح لذلك، فقال له: قد حكمتَ لي على نفسك كيف يحل لك أن تُوليَ على أمانتك من هو كذّاب .؟ ) .
توقفت عند رفض حمدان ومن سبقه من العلماء تولي القضاء ، وقارنت حالهم بحال من يتهالك في الوصول إلى هذا المنصب ، تذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من سأل القضاء وكِّل إلى نفسه ، ومن جبر عليه نزل عليه ملك فسد له . ) إن تهيب تولي القضاء ورفضه أمر محمود ، وإن إلزام الحاكم من عرف بالصلاح والتقوىبتولي القضاء أمر وارد أيضا … ولكن سألت نفسي لماذا يرفض هؤلاء القضاء مع أنه منصب مرموق في الدولة..؟ يكسب صاحبه المال والجاه ، ويعيش في سعة وبحبوحة من العيش ، تصاحبه وجاهة في المجتمع .. لا شك أن هؤلاء الرافضين يعرفون هذه المكاسب جيدا ، ولم يرفضوا تولي القضاء عن جهل في أحكام القضاء .. لكن خوف الله وخشيته كانت أقوى من نعيم الدنيا وبهرجتها .. ولو أنهم أمنوا على أنفسهم من المؤثرات الخارجية لما رفضوا القضاء ، لو كان المجتمع يقبل العدل والإنصاف ، وينتصر للحق ولو على نفسه لاختلف الحال ، لكنها " الأنانية " وحب الذات وتغليب المصالح الشخصية على العدل والحق والمساواة ، فمتى نصل إلى الإنصاف وإحقاق الحق ولو على أنفسنا … متى ..! ؟
احتكم رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لهما : ( إِنَّما أَنا بشرٌ وإِنَّكم تختصمون إِليَّ، ولعلَّ بعضَكم أَنْ يكون أَلْحَن بحجَّته ، فمن قضيت له بشيءٍ من حقِّ أَخيه فإِنَّما أَقطع له قطعة من النَّار ) فقال كل واحد من الرَّجلين: يا رسول الله ، حقِّي لأَخي، فقال :
( لا ، ولكن اذهبا فتوخَّيا، ثمَّ اسْتَهِما ، ثمَّ ليحلّل كلّ واحد منكما لصاحبه ) .
الدكتور عياد خيرالله

[ابو جرير]

الأخ الدكتور عياد
سلمت يدك لكتابتها حول هذا الموضوع الهام الذي يلامس قضايا الناس
ولكن حمدانك هذا لي فيه رأي يختلف عن رأيك
لقد وصفته بالتفوق والأخلاق الحسنة فرحت به في البداية وقلت في نفسي وقبل أن أكمل قراءة الموضوع نحن محتاجون لمثل هذه النوعية من القضاة الذين يتصفون بالنزاهة ليحكم بالعدل وليخفف عن الناس الظلم لكنه خيب الظن به وهروبه من تحمل المسؤلية التي نحن أحوج له من أي وقت آخر
هذا رأيي

أبو جرير

[ابوعبدالله]

أخي عياد
كما قال الأخ أبو جرير حمدان عندما رفض القضاء خشية الله
قد فسح المجال برفضه ليتولى قاض آخر يبحث عن مكاسب دنيوية
حسب رأيي أخطأ حمدان و لا أستطيع الجزم بأنه آثم

[أيهم المحمد]

من شروط القضاء أن يكون القاضي أهلا للقضاء، بمعني أن يكون قويًا قادرًا علي تحمّل هذه المسئولية الجسيمة.
قال الرسول عليه الصلاة والسلام : (من وَليَ القضاء فقد ذُبح بغير سكين)[أبو داود].
وطلب أبو ذرّ من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يُأَمِّره علي بعض البلاد، فقال له النبي : "يا أبا ذرّ! إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها" [مسلم وأحمد].

استعنا على ما ورد بالسنة النبوية الشريفة بشأن القضاء لإعانة حمدان الدكتور عيّاد في خياره وقراره .
والقضاء كما أعلم فرض كفاية إن أداها البعض سقط عن الكلّ .
فإذا وجد الإنسان في نفسه ضعفًا بحيث لا يستطيع تحمل مسئولية القضاء؛ ابتعد عنه، وتركه لمن وجد في نفسه القدرة علي القيام بالقضاء مع توفر شروط القاضي فيه.
روي أن حياة بن شريح دعي إلي أن يتولي قضاء مصر، فرفض فهّدد بالسيف، فأخرج مفتاحًا كان معه وقال هذا مفتاح بيتي، ولقد اشتقت إلي لقاء ربي. (أي أنني مستعد للموت ولكن لن أتولي القضاء).

موضوع قيّم يا دكتور عيّاد بارك الله بك .

[ابواسامة]

إذا صلح القضاء صلحت البلاد ولكن للاسف هناك من يدفع الآلاف والملايين ليتولى القضاء فيبدأ يظلم ويبطش ويحول الحق الى باطل والباطل الى حق ليجمع ما دفعه والامثلة كثيرة في مجتمعنا كم من قاضي كفت يده لعدم نزاهته ولنا تجرية مريرة مع القضاء

كل الشكر للعم الدكتور عياد الخيرالله على طرح الموضوع

[وليد العمران]

انا أرى انو مايستلم وما راح ازيد كلمة