الديرانيين , إنها مناسبة قدرت للبشرية كي يضحي الإنسان فيهاليسد رمق الجياع
الذين إزداد عددهم في الآونة الأخيرة , ولم يكن هذا الفرض حدثاً عابراً , بل فيه حكمة لكل البشر ,
خصوصاًأن نبينا إبراهيم عليه السلام أمر في منامه أن يذبح إبنه إسماعيل عليه السلام ,
فقدرالله تعالى أن يفدى بكبش , من بعدها كان هذا الفرض على البشرية جمعاء كي يفتدى الكثير
من الجياع بهذه الأضاحي . كان للأضاحي سابقاً تقدير خاص بطريقة التوزيع ا لمعتمدة
أساساًعلى قاعدة ربانية وإنسانية في الوقت ذاته , كانوا يأتون بالأضحية الى الداركي
يتم الفرض هناك من ثم يشرف صاحب الأضاحي على التقسيم في أطراف الأضحية ,
مما لاشك فيه أن العطف على الفقراء والمحتاجين وكيفية تقديم الأضحية لهم دون أنتشعر
هذاالشخص بحاجته أولوية خاصة , العائلة الفقيرة المحتاجة يكون لها النصيب الأكثرمن الأضحية ,
أماالأقل إحتياجاً تقدر بأقل من السابقة , هذا ما أضاف طابعاً حميماً على أهاليهذه المدينة ,
كي تمتاز بالكرم والجود.لكن توجد تجهيزات كثيرة قبيل العيد تقوم بها العوائل
الديرانيه كي تكون على أهبة الإستعداد لإستقبال العيد بحلةجديدة ترتسم على وجوه
الأطفال فرحة بالملبوسات الجديدة أو من الهدايا التي تدخرهاالأسر كي تفرح قلوب الأطفال بها ,
فتجدالأسواق مليئة بالملبوسات والمنتوجات من الحلويات والمعجنات , تمتلئ الأسواقب الزبائن
وتظهرالمناسبة بكل معانيها على شوارع المدينة كافة , منهم من إصطحب أبنائه معه كي يقتنون
الملابس الجديدة , ومنهم منإبتضع بشكل كاف كي لا ينتقص من ( الضيافة ) في منزله .
( لأجواء العيد سابقاً طابع حميم يظهرعلى اجواء المدينة كافة , في الصباح الباكر تذهب العوائل
كلهاالى المقبرة لقراءة الفاتحة على الأموات من ثم يجتمع كامل أفراد الأسرة فيبيت الجد
أوالأخ الأكبر , من ثم يرتدي الأطفال الثوب ( الكلابية ) الجديدة التي كانت تجهز عند الخياطات
الديريات كونهم يذهبون برفقة الأمهات اللواتي ينتقين لهم نوع الأقمشة والتفصيل ,
اما من إستطاع أن يقتني بدلة جديدة لابد أن يمتلك مالاً وفيراً لذلك , نذهب بعد ذلك الى ساحة
العيدوكان مقرها في تكية الراوي وتكية الشيخ ويس أيضاً , كان ( الدرك )يشرف علىحراستها
آن ذاك كي لا يفقد طفل وحرصاً على أن لا يد خل أحد غريب الى تلك المنطقة , كانت ألعاب
العيد بسيطة جداً منها ( القليبية ) وهي أرجوحة دائرية الشكل تحتوي على صناديق خشبية معلقة
علىأذرع خشبية أيضاً تحرك تلك الأرجوحة الضخمة يدوياً بواسطة الرجل الذي يمتلكها ,
الطريف بالأمر أنه رغم بساطة تلك الأرجوحة وتلك الأصوات التي تنتج عن إحتكاك الخشب ,
كان الأطفال يملؤن الأجواء بالفرح والمتعة الممتزجة بأهازيج يتغنى بها الرجل صاحبالارجوحة
( أذكر أن أمهاتنا كن يتبارين في تجهيز
المعجنات قبل أسبوع ومنهم قبل أسبوعين , حينها نشم رائحةالمعجنات في كل حي من أحياء
أ
وفي كل منزل نمر به , وأكثر المعجنات التي إشتهرت بهاهذه المدينة
( الكليجة ـ الغريبة ـ الأقراص ـ المعمول ) , أيضاً كانت أمهاتنا يطهين ( العصيد ) وأذكر
نوعامن الحلوى اللذيذ الطعم وهو مكون من ( عجين وسكر وسمن عربي ) وهناك العادات
والتقاليد الخاصة , لا يمكن لإحدى الجارات ان تقوم بالعمل لوحدها بل يتساعدن في ذلك
سوية ,
. ثم يذهب الأطفال الى الجيران والمعارف كي يحصلوا على قدر من ( العيدية )
التي كانت تدخل السرور الى قلوبهم مهما كان مقدارها لأن الإحساس بالفرح الذي ينتابنا حينها أكثر
من النقود التي نحصل عليها )
أماالآن وحين بادرنا بسؤال الأطفال هذه الأيام بماذا يقضون العيد فكانت الإجابة :
( نبدأبتقبيل الأب و الأم ونلقي عليهم التهاني بالعيد , من ثم نحصل على النقود منهم , نتناول طعام
الإفطار من ثم تبدأ إمي بتجهيز ملابسنا الشتوية الجديدةوتساعد نا في إرتداءها فرداً فرداً ,
من ثم نذهب كلنا سوية الى الألعاب والمراجيح في ساحة العيد أو نذهب لمدينة الملاهي
أما عن شعورهم تجاه العيد كان رأيهمالعيد جميل ورائع , إنه يسعدنا ويدخل البهجة والسرور الى قلوبنا ,
في العيد يمكننا أن نشتري مانشاء , ونلعب أوقاتاً أطول من الآيام السابقة , نتمنى لو كانت كل الأيام أعياداً
: ( العيد بإختصار هو مجهودأبذله بكل ما أملك)
من قوةومال كي أجعل أولادي يعيشون أسعد لحظات الحياة وأمتعها , بأن لاأنتقص
لهم أيشيء يحبونه أو يريدونه في هذه الأيام الأربعة , إنها مناسبنتا التي نستمتعبها ونعيش أجواءها
واني اعبر عن العيد بتلك الكلمات : ( إنها مناسبة عزيزة على قلوب البشريةجمعاء)
إنهاتعيد التواصل بين الأقارب والأرحام وتعززها وتقويها , أنا بعد هذا العمر
وأتمنىأن أعود طفلاً كي أقبل يد والدي و والدتي وأعود لأحصل على الملابس الجديدةوالنقود أيضاً ,
إنهاأيام لا مثيل لها.
معضلةالمفرقعات
يستوقفني أثناء الحديث عن العيد وفرحته , امر فيغاية الأهمية والخطورة , إنها المفرقعات النارية
تفنن صناع وتجار هذه المواد بتصنيعها وإنتاج العديد منها بأشكال والوان ملفتةللنظر
والوان وأضواء تساعد على تيسر عملية توزيعها , ومن أكثر زبائن هؤلاء هم الأطفال ,
إنهم ينتقون التوقيت المناسب لنشر هذه المفرقعات في متناول أيدي الأطفال الذين
تتراوحأعمارهم مابين 6ـ 14 سنة , ولا يجد هؤلاء المانع والرادع من توزيعهابشكل
سري كان او علني , ماقولكم بأنواع حديثة من المفقرعات التي حين تستمع إلى صوت
إنفجارها تحس أن صواريخ (باتريوت) قد إنفجرت أمامك , أناشخصياً لا أستطيع تجريبها ,
فماقولك بالأطفال , ومن الغريب ان تصدر وزارة الداخلية القرارات المشددةوالتعليمات
وآخرهاقانون رقم 51 لعام 2001 م الذي ينص :
علىمعاقبة كل من يقوم بغير ترخيص بصنع الألعاب النارية أو استيرادها أو تصديرها
الإتجار بها او بيعها او نقلها من مكان الى آخر بالحبس من ستةأشهر الى سنة والغرامة
من خمسة آلاف إلى عشرة آلاف ليرة سورية
وللأسف نجد أن تلك المفقرعات تنتشر بين أيدي الأطفال دون أن نعلم من أين جاؤو بها ,
لتتحول تلك المناسبة السعيدة الى مصيبة عظيمة تقع على رؤوس أهالي هؤلاء الأطفال ,
تتحول بهجتهم بالعيد من ساحة العيد الى قسم الإسعاف في المشافي العامة أحدهمإصيب
بحروقفي وجهه الآخر في يده , ومنهم من أصيب في عينه , صرح أحد الأطباء أن بعض
الإصابات قد تؤدي الى العمى المحتم ؛ فأين المعنين من كل هذا ؟ , كل ما نتمناه أن تمتلئ
قلوبهؤلاء التجار بالرحمة قبيل أن تمتلئ جيوبهم بالأموال .
هذا هوالعيد
تلك هي المناسبة بالنسبة لهم , إنهم يبذلون كل ماهو جميل كي يستمتعون بتلك الأيام المباركة ,
هذا هوالعيد الذي ساعد على إطعام المساكين والفقراء , الذي لم شمل العائلة بعد طول شتات الذي
إحتضن الأجداد والأبناء والأحفاد , ولم يدع فرصة للضغينة أن تتسرب لقلوب الناس , هاهو الجار
يلقيا لتحية على جاره , وهاهو المغترب يأتي للقاء أهله وأحبابه , فيامرحباً بمنأسعد قلوبنا .....
وأطعم الجياع وزار بيوتنا .... وأزهرت بفضله وجوه الأطفال .....ببسمة حنونة أثلجت صدورنا
وكل عام وانتم بخير
تقبلوا تحياتي ( ابو اسامة )
ملف مرفق 525