بسم الله الرحمن الرحيم
( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)
في الحقيقة ما لفتني في الفترة الماضية في مشاركات الأخوة و الأخوات الأعضاء أنّنا بشكل أو بآخر نعبّر عن حاجاتنا الاجتماعية سرّاً، و أحياناً عفوياً دون دراية منّا بأنّنا نبحث عنها بحيث تأخذ هذه التعابير أسلوب الدعابة و أحياناً الغمز و اللمز و في أحيان تنتهي بالمباشرة و الإعلان.
بكلّ تأكيد فإن اختصار و اختزال المشكلة هكذا يكون فيه من الإجحاف ما يكفي ليقول القائل فينا أنّ الحياة أكبر من أن تعيها ببضع سطور يا أيهم.
لكن و في المقابل لا يمكن لأحد أن ينكر أنّ ما اصطلح على تسميته بالخلية المجتمعية الأولى أو لَبنة المجتمع اللأولى أو الأسرة تشكّل بحد ذاتها النموذج الأنجع للتعاطي مع هكذا معضلات بنيوية تصيب المجتمع بكل ما فيه من أفراد و تفاعلات إجتماعية.
الإسرة في مجتمعاتنا الإسلامية بنيوياً تعتمد بشكل أساس على العلاقة القائمة بين الزوجين و الّتي كغيرها من التفاعلات الاجتماعية تحتاج لضوابط من نوع خاصّ و خاصّ جدّاً نظراً للحساسية و أهميّة التأثير التي تشكلها هذه العلاقة على بقية علاقات المجتمع عموماً.
فنحن كبشر نطمح للمثالية، و باِعتبار التشريع الإسلامي يعتبر الحالة المثالية و الأكمل بديهياً عندنا كمسلمين، فقد بدا لي أن اتجاهنا لديننا الحنيف و عدم خروجنا بالتفصيل عنه يغنينا عن أي كلام و أي حديث فيما سواه.
كما أنّ إدراك الحقوق الزوجية ونجاعة أدائها تفضي تماماً إلى رسم خارطة الطريق الصحيحة لحياتنا الزوجية سواء كنّا متزوجين أو مقبلين على الزواج، و هنا كانّ لابـدّ من البحث و لو بشكل عام عن الأطر العامة الناظمة لأداء الحقوق الزوجية على خير ما يرام.
بشكل عام فإنّ الحقوق الزوجية يجب أن تُؤدّى في جوٍّ من المودّة و الرحمة معاً لأنّ ضعف المودة لأمرٍ ما سوف يبقي الحقوق محفوظة في إطار الرحمة والتي تعني التعاطف و الوفاء للعشرة و بذلك جعل الإسلام الزوجية رابطة متينة و التي قال بشأنها الله تعالى:
(و أخذن منكم ميثاقاً غليظاً )
هنا يجب أن يضع الزوجان نصب عينيهما في مسألة بناء جسور المودة و الرحمة بينهما أمراً مهماً و هو التفريق بين العمل لأداء الحقّ كحقّ، و بين أن يحرص الزوجان كل منهما على أداء الحق في سبيل إرضاء الآخر و هو المطلوب والغاية المطلوبة ضمن ما أسميناه إطار عام من المودة و الرحمة.
وأولى الأطر الّتي يجب التنبّه إليها هو التعاون بين الزوجين
فقد طفا على السطح في أيّامنا هذه ما اعتبرناه التعاون بين الزوجين في أداء المسؤوليات الملقاة على عاتقهما ضمن مقتضيات الحياة العصرية فظهرت لنا إشكاليات كعمل الزوجة خارج بيت الزوجية و واجبات الزوج البيتية
و إسلامنا واضح صريح في هذا و تعاطينا معه ينبغي لنا عدم التجرؤ و التفاصح عليه، و قد اتضحت سنة الرسول عليه الصلاة و السلام في هذا الشأن
فالرجل يتحمل مسؤولية الإنفاق على الأسرة، و إن كان الزوج فقيراً والزوجة غنية كان التعاون و محموداً فيجوز أن تنفق الزوجة على زوجها، و قد روي عن أم سلمة - رضي الله عنها- قالت: قلت : يا رسول الله ألي أجر أن أنفق على بني سلمة إنما هم بني ؟ فقال رسول الله :" أنفقي عليهم فلك أجر ما أنفقت عليهم "
و الزوجة كذلك تتحمّل مسؤولية حضانة الأطفال و تربيتهم و على الزوج أيضاً أن يعاون زوجته في ذلك، فقد روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن لولدك عليك حقّاً "
وكذلك تتحمل مسؤولية تدبير شؤون البيت و على الرجل أيضاً أن يعاونها و أن لا يتكبّر على ذلك و يعتبر ذلك إنتقاصاً من رجولته، فقد روي عن الأسود قال : سألت عائشة رضي الله عنها : ما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصنع في بيته ؟ قالت : " كان يكون في مهنة أهله - تعني خدمتهم- فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة "
الإطار المهم الآخر من أطر أداء الحقوق الزوجية هو اللطف بين الزوجين
فمن غير الممكن أن يفوت أحدنا قول رسول الله صلى الله عليه و سلم :" خيركم خيركم لأهله ، و أنا خيركم لأهلي "
و ليساً عيباً و لا ضرباً من الخيال أن يجهد المرء في ملاطفة زوجته و مداعبتها، فقد روى ابن عباس فقال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا صلى الصبح جلس في مصلاه و جلس الناس من حوله حتّى تطلع الشمس ، ثمّ يدخل على نسائه إمراة إمرأة يسلّم عليهن و يدعو لهنّ فإذا كان يوم إحداهنّ كان عندها "
و كذلك من قبل الزوجة فإسلامنا الحنيف لم يفته أن يضرب أجمل و أروع الأمثلة و هنا غيض من فيض رسول الله صلى الله عليه و سلم حيث يقول:" خير نساؤكم الولود الودود ، المواسية المواتية إذا اتقين الله "
أما ثالث الأطر التي تحفظ الحقوق الزوجية فهي الثقة و حسن الظنّ
و إن كان حسن الظن بين عموم الناس مطلوباً فهو أولى فأولى أن يكون بين الزوجين المؤمنين و هو من أوجب الأمور لأن سوء الظن ينغصّ على الزوجين حياتهما و يجعلها جحيماً
ورد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم عن حديث أبي هريرة رضي الله عنه قول رسول الله صلى الله عليه و سلم : "من الغيرة ما يحب الله و منها ما يبغض الله ، فأمّا التي يحب فالغيرة في الريبة، و أما التي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة "
بمعنى أن مظاهر الثقة و حسن الظن اقتصّرت الغيرة على موطن الريبة فحسب و أما غياب الثقة و سوء الظن فهي تدفع للغيرة في غير ريبة ، فالثقة تدعو لمزيد من الصدق و حفظ العهد و إلى مزيد من المودة و الحب بين الزوجين
أما رابع الأطر التي تحفظ الحقوق الزوجية فهي الترويح
فلننظر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يسابق عائشة رضي الله عنها فيروح عن نفسه و يروح عن نفسها في حب و رحمة لا يمكن أن نجد مثيلاً لها عند ممن هو دونه بمئات و آلاف المراحل
و الترويح كما هو معروف يكون بالمباحات و ليس بالمحرمات لأن المحرم يورث الحسرة و الندامة
أما خامس الأطر فهو الغيرة المحمودة
كما ذكرنا سابقاً فإن الغيرة الناتجة عن الثقة و حسن الظن و عن الريبة لها أهمية في حفظ الأعراض و توثيق عُرى المحبّة و المودة بين الزوجين ، ولنا في كلام الرسول صلى الله عليه و سلم لسعد بن عبادة خير مثال و عبرة
فقد سأل سعد بن عبادة الرسول الكريم فقال : " لو وجدت مع أهلي رجلاً لم أمسه حتى آتي بأربعة شهداء ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : نعم ، فقال سعد : كلا و الذي بعثك بالحق إن كنت لأعالجه بالسيف قبل ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأصحابه : " اسمعوا إلى ما يقول سيدكم ، إنه لغيور ، و أنا أغير منه و الله أغير مني "
و الغير هنا محمودة لأنها تجعل المرأة تتعلق بزوجها لأنها تعلم أنه سينافح عنها و يذب عن عرضه إذا ألمت به ملمة
و غير المحمودة تؤدي لو حصلت لفساد كبير و الأمثلة من واقعنا أكثر من أن تحصى أو تعد أو تنتقى و لكم في اشغال أذهانكم المثل الأفضل في هذا
لعلّني لم أدرك أطر أداء الحقوق الزوجية أو إنّي قصّرت فيها فأرجو منكم أخوتي الأعضاء إفادتنا بآرائكم النيّرة و إضافاتكم إن وجد فيكم من لديه خير جازاكم الله عنّا كل خير و تجاوز عنّا فيما أخطأنا
[frame="7 70"]أيهم المحمّد - خاصّ منتدى البوخابور [/frame]