عرض مشاركة واحدة
قديم منذ /10-08-2010   #5

القيصر
التميز الحقيقي

الصورة الرمزية القيصر

القيصر غير متواجد حالياً

 رقم العضوية : 644
 تاريخ التسجيل : Apr 2010
 المشاركات : 1,245
 النقاط : القيصر is on a distinguished road
 تقييم المستوى : 16

مزاجي:
افتراضي

أدبه وتأثيره على مسيرة الأدب
القصة والرواية
يشير بعض الدارسين إلى أن المدرسة الواقعية ظهرت في الكثير من أعماله، إلا أن هذا لا يعني أنه اللون الوحيد الذي تكلم فيه العجيلي، فالمصادفة والغرائبية كثيراً ما تلوح في أعماله القصصية وهي تذكرنا باللامعقول الذي نلمحه خصوصاً في أعمال غادة السمان، إلا أن اللامعقول عند العجيلي أخذ منحى يعبِّر عن حكمة عميقة من جهة، وعن وعي رؤيوي من جهة أخرى، فالمصادفة على سبيل المثال عند العجيلي تأخذ بُعْداً عميقاً يعبِّر عنه علم النفس اليونغي بمصطلح «التزامن» وهو حدث خارجي على توافق مع حدث داخلي، وبالتالي فهو يعبر عن حكمة عميقة (راجع قصة «انتقام محلول الكينا» في نهاية الدراسة).
وقد برع العجيلي في الرواية أسلوباً وتعبيراً، واستخدم عدة تقنيات، منها تقنية «الخطف خلفاً» كما في رواية «باسمة بين الدموع» وما يسميه الألمان «رواية البناء» كما في «قلوب على الأسلاك» وعنها كتب جان غولميه يقول: «هذه هي حبكة الرواية البسيطة التي تشد القارئ. أما الذي يجعلها بالنسبة لي مثيرة للاهتمام فكونها تقدم، وربما لأول مرة في الأدب العربي المعاصر، ما يسميه الألمان "رواية البناء" أي القصة التي يتتبع فيها القارئ "تشكل السجايا" أي ذلك الذي وُفِّقَ غوته إليه، مثلاً في روايته "سنوات تدريب ويلهلم ميسر" وستاندال في "الأحمر والأسود"، وفلوبير في "التربية العاطفية". إن القصة في كل واحدة من هذه الروايات الشهيرة تتركز حول الشخصية الرئيسة، التي تمضي، بالتجربة بعد التجربة، للوصول إلى العقل، العقل الذي لا يتفق دائماً مع السعادة، إنما مع الانقياد للوجود والقدر».
وبدوره، يعتبر البروفسور جاك بيرك أن رواية «قلوب على الأسلاك» جديرة بأن تُصَنَّف بين أقوى ما ظهر من نوعه في الأدب العربي المعاصر. ومع اختلافه الكبير، كما هو منتظر، عما أنتجه في نفس الجيل أمثال نجيب محفوظ، وجبرا ابراهيم جبرا، فهو يمثل مع ذلك النتاج أول قفزة للإبداع الروائي بعد أن أنضج المتقدمون الكبار، الذين هم الرواد في هذا الإبداع.
ويذكر جان غولميه رأيه في الأدب الروائي عند العجيلي فيقول: «غوته وستاندال وفلوبير أسماء أعلام في الأدب مشهورة، وعبد السلام العجيلي يستحق أن يشبه بأساتذة فن الرواية الكلاسيكي هؤلاء».
المقالة
أما المجال الآخر الذي كان للعجيلي فيه باع طويل فهو المقالة، وعنها يقول نبيل سليمان: «يلتبس غمر المقالات التي كتبها العجيلي في عشرات الصحف والمجلال طوال عشرات السنين، بالحكاية، والمحاضرة، والمذكرات، والمحاورة–المقابلة، والحديث، والرسالة، والخاطرة، والاعترافات».
أما أسلوبه فقد كان واحداً على تنوع المجالات التي كتب فيها، هذا الأسلوب في التعبير بلغة عربية وصفها النقاد بـ«الفخمة»، وكان العجيلي حريصاً على هذه اللغة كتابة ومحاضرات.
المقامة
وهو لون أدبي بات مجهولاً لدى الكثيرين، وقد برع فيه العجيلي. أما تعريفها كما يأتي في المعجم الأدبي فهو: «فن أدبي ظهر في القرن العاشر الميلادي، اُشْتُهِرَ به الهمذاني والحريري من القدامى والشيخان ناصيف اليازجي وابراهيم الأحدب من المحدَثين. ومن أصوله:
- الكلام على بطل واحد، وراوٍ واحد، يظهران في كل مجموعة من المقامات.
- التفلُّت من قيود الزمان والمكان في المقامات بحيث أن الأحداث التي تُنْسَب إلى البطل تتم في بلدان مختلفة يستحيل الانتقال إليها كلها، وفي أزمنة متفاوتة تفصل بينها مئات السنين.
- العناية القصوى، بتنخُّل المفردات، وصياغة العبارات، وتوخي السجع، وإرفاق النصوص بالشواهد الشعرية، والأمثال، والحِكَم».
برزت حبكة الأحداث في عدد من المقامات، لاسيما في مجموعة الهمذاني، إلى درجة أنها قَرُبَت في سياقها، وتسلسلها، وإثارتها من الأقصوصة.
وعن مقامات العجيلي كتب لويس يونغ: «استوفى العجيلي في مقاماته جميع المقاييس الكلاسيكية، فمقاماته ليست إحياء للشكل الأدبي القديم فحسب، بل حياكة في نول قديم، بخيط جديد.
تعتمد مقامات العجيلي في سخريتها على رسائل بيانية، تتدرج في المبالغة بالتصوير الكاريكاتوري والموقف الهزلي، إلى الكنايات والاستعارات من التراث الإسلامي. ففي المقامة الطبية الأولى، نجد أن العجيلي لقَّبَ الأستاذ في كلية الطب بجبرائيل ابن يختيشوع تيمناً بذلك الطبيب العربي النسطوري الشهير الذي كان طبيب هارون الرشيد، والذي جمع ثروة طائلة في ممارسته لهذه المهنة، وما فعل العجيلي ذلك إلا ليداعب بسخرية أستاذه في الكلية. أما المقامة الطبية الثانية، فإن الممتحنين لطلاب الطب في الجامعة أصبحوا يحملون أسماء الناكِر والمنكَر الملاكين اللذين يستجوبان الأموات، إن هذا الدفق من الصور الكاريكاتورية المضحكة في مقامات العجيلي غالباً ما يأخذ أشكالاً أخرى، كأن يقسم البروفسور في كلية الطب بالله، وبأبقراط، وكأن يقسم الحقوقي في المقامة الحقوقية، بكل ما في القانون من أوتار، وبقاض من الجنة وقاضيين من النار».
المسرح
يذكر وليد إخلاصي أن العجيلي كتب للمسرح أكثر من مرة، وقد قدَّم لمسارح الهواة في الرقة أعمالاً كوميدية أو ذات طابع بيئي (هكذا روي لنا من شهود عيان)، كما أنه كتب في شبابه الأول مسرحية صغيرة نشرتها في فصلين مجلة «الحديث» بعنوان «أبو العلاء المعري» في عام 1937.
«وفيها تم تقديم المعري الفيلسوف والشاعر كنموذج عربي للبطولة العقلية، وكأنما العجيلي في ذلك أراد أن يقول أن للكُتَّاب والمفكرين دورهم الحاسم في معارك النضال والوطنية».
كما يذكر إبراهيم الجرادي أن العجيلي كتب لفرقة الفنون الشعبية بالرقة عدة أعمال دون أن يعلن كعادته عن ذلك، منها «برج عليا» و«صيد الحباري» تدعيماً وتشجيعاً لحماسة شبابها وليس محاولة للإيغال في عالم المسرح ومنجزاته.
الشعر
في دراسة جميلة للشاعر شوقي بغدادي يشير إلى أن انصراف العجيلي إلى القصة تاركاً الشعر، ليس إلا انصرافاً عن تعرية نفسه للآخرين من خلال الشعر الذي كتبه في مجموعته الوحيدة «الليالي والنجوم» عام 1951 إلى تعرية الآخرين، وذلك ضمن إطار جنس أدبي آخر هو القصة.
ويذكر ما كتبه العجيلي في مقدمته لمجموعته الشعرية: «لا يعجب القارئ حين يرى قصائد "الليالي والنجوم" ما كان منها غزلاً، أو كان منها شعراً غنائياً، أو ذكريات وطنية تستمد معانيها من ذلك العالم الواسع الأبعاد، المحدود العناصر، فإنما نحن أبناء بيئتنا الأولى، وليست بيئة "الليالي والنجوم" إلا زاوية من الأرض قامت فيها بلدة كأنها قرية – ويعني "الرقة" الواقعة في شمالي شرقي سوريا – على شاطئ نهر عريض – ويقصد الفرات – وعلى سيف بادية بعيدة الآفاق – ويقصد بادية الشام – أجمل مواسمها ليلة تصحو السماء، وتزهر النجوم، ويملأ نور البدر التلال والبقاع».
كما يذكر الشاعر شوقي بغدادي: «أسلوب التناول الغالب على القصائد هو أسلوب المناجاة أو المونولوج الداخلي، فمعظم القصائد تبدأ بنداء مثل: يا بدر.. يا غيمة.. أذني تملّي.. أو مونولوج "الخميلة العطشى" وهو إرهاصها بالتحول الذي سوف يقوى ويتأصل أكثر فأكثر فيما بعد من خلال ظاهرة الغوص على العوالم الداخلية للشاعر بدلاً من الوصف الخارجي أو الخطابي المباشر».
ومن قصيدة «ليلة غائمة» يذكر هذه الأبيات:

أيا نجمةً في صفحة الأفق وحـدَها تبثُّ أسـاها للـغيوم ووجدَها
سهرتُ على وعدٍ سرابٍ من المنى فهل تسهرين الليل ترجين وعدَها
أريقي السـنا يا أختُ علَّ شعاعةٌ تطوف بمثواهـا، فتمسـح خدَّها
وتشـكو لـها طول الليالي وهمَّنا ووحشـتَنا في ظلمةِ الليل بعدها


عالمية العجيلي
تألق العجيلي أكثر ما تألق في القصة والرواية، واُعْتُبِر أحد أعلامهما في سورية والعالم العربي، إلا أنه من الصعوبة بمكان حصره في دائرة القومية، لأن العجيلي تعدَّى هذه الدائرة نحو دائرة العالمية ليصبح ندّاً لأدباء عالميين آخرين عرفهم الغرب، ولعل عالمية أدبه تظهر من خلال الترجمات للعديد من أعماله للغات مختلفة، وعامل الرؤيا أو الوعي الرؤيوي في الكثير من أعماله، وكذلك رحلاته التي قام بها فتواصل مع العالم الغربي وأبدع في أدب الرحلات، هذا الأخير الذي عكس عالمية العجيلي.
مظاهر من التجليات الإبداعية عند العجيلي
الأنيما والأنيموس في أدب العجيلي
الأنيما باللاتينية تعني النفَس الحي، أو الحيوي، ومنها أتت كلمة «animer» أي إعطاء الحياة أو الحركة، وفي اليونانية تعني الروح، أما مذكّرها فهو الأنيموس، ويعني الريح، وفي الحقيقة هما مصطلحان اتخذهما الدكتور يونغ ليعبِّر من خلال الأنيما عن الجانب المؤنث من الرجل، ومن خلال الأنيموس عن الجانب المذكر من المرأة.
ولتوضيح الأمر على مستوى تأخذ فيه الأنيما صورة الروح العميقة، هذه الصورة البهية التي تمثلها قصة الأميرة النائمة التي تنتظر الأمير (أي الأنيموس) ليوقظها، هذا الأمير الذي قد يكون ضفدعاً أو وحشاً ويتحول إلى أمير شاب، إنه بعبارة أخرى الأنيموس أو الذكر–المادة، الذي يحن ويتوق للروح–الأنثى، لعناقها والوصال معها، وفي هذه الصيرورة، يطرأ تحول على الذكر–المادة الذي ينطلق من الغريزة (أي الوحش أو الضفدع)، ليصير إنساناً يتمثل من خلال الأنيموس الذي يتوق للاتحاد بالروح–الأنثى، المتمثلة من خلال الأنيما.
ربما تبدو معاني الأنيما والأنيموس هنا مرتبطة بكل من المبدأ المؤنث والمبدأ المذكر، في حين أن الدكتور يونغ عنى بالتحديد ما هو نموذج المرأة في الرجل، ونموذج الرجل في المرأة، وهذا ما سنراه على نحوٍ متواتر في أدب العجيلي.
«نموذج المرأة»
بالنسبة إلى فرويد فإن «نموذج المرأة» الذي يحمله كل رجل في لاشعوره، والذي يمثل على مستوى ما شبقي، قد يكون ذكرى الأم التي «انطبعت» باكراً في عقله الباطن.
وفي الواقع إن ذكرى الأم هذه إذا ما تركت مركَّباً أوديبياً، فإنها تولِّد نموذجاً شبقياً للمرأة خالصاً، يسعى إليه الرجل في لاشعوره، ويعجز أن يقيم علاقات عاطفية مع المرأة لأنها تمثل في لاشعوره «الأم المحرَّمَة». وفي سياق تطور دراماتيكي فالمرأة أخيراً، تمثل مدى تطور علاقة الرجل مع نفسه، وهنا أيضاً يساعدنا الدكتور يونغ في الإشارة إلى مراحل في نمو الأنيما، المرحلة الأولى ونعثر فيها على النموذج الشبقي للمرأة، والمرحلة الثانية ويمكن العثورعليها فيما نتعارف عليه بالحب العذري أو ما اشتُهِر في أوروبا في القرن الثاني عشر باسم حب التروبادور، وهنا الأنيما تجسد المستوى الرومانسي والجمالي، لكنها مع ذلك، تظل متسمة ببعض العناصر الجنسية. أما المرحلة الثالثة وتمثلها مريم العذراء مثلاً، أي الشخصية التي ترفع الحب (الجنس) إلى ذرى التكريس الروحي.
وقد وصلنا إلى هذه النقطة، نستطيع ربما متابعة نموذج الأنيما والأنيموس في أعمال العجيلي. ونبدأ برواية «باسمة بين الدموع».
رواية «باسمة بين الدموع»
يذكر د.شاهر امرير أن العجيلي يستخدم مدخلاً لروايته، إحدى تقنيات الرواية الحديثة، وهي "الخطف خلفاً"، فتبدأ الرواية بالانطلاق من موقف مثير، وهو سقوط سيارة سليمان، وهو يقودها في طريق العودة من بيروت إلى دمشق، بعد التدحرج من قمة ظهر البيدر إلى المنحدرات المطلة على سهل البقاع.
ويلخص د.شاهر امرير الرواية على النحو التالي: «قسم العجيلي الرواية إلى مدخل، وستة فصول، ووضع عنواناً لكل منها، ففي المدخل الذي اختار له الروائي "الطريق الزلقة" عنواناً، يسرد موضوع سقوط سيارة سليمان العطا الله، ومحاولته إلقاء نفسه، والقفز من السيارة أثناء نزولها، فأدارت عموده الفقري على محوره والتوى».
أُسعِفَ إلى فندق شتورا حيث أحاطته سيدة جميلة برعايتها طيلة ثلاث ساعات، وفي طريق عودته بين شتورا ودمشق، فطن سليمان إلى باسمة التي مضت ستة شهور على آخر لقاء بها، وهي التي عرفها منذ ثلاثة أعوام أو ما يقاربها، وهذه الفترة هي السياج الزمني للرواية، فيطلبها على الهاتف باسم "ناتاشا"، ويتواعدان أمام دار السفارة، فيذهب إلى طريق أبي رمانة، حي السفارات لينتظرها أمام دار السفارة التي يعرفها. كانت ممددة في السرير إلى جانبه، تتحسس أصابعه شفتيها اللتين طالما أطبقتا عليه في قبلات طويلة وكثيرة، محمومة أو مستثيرة أو مرتوية، وهو يحسد من يلقاها في طريقه صباحاً. ثم تسأله لماذا لا يتزوج من أختها هيام فيتهرَّب أو يتخلص من الإجابة مدَّعِياً، بأنه رجل مقصوم الظهر متوتر الأعصاب، لم يبق بينه وبين الموت إلا تلك الصخرة التي أوقفت سقوط سيارته على المنحدرات.
وباسمة تلخِّص ما آل إليه وضع سليمان، وتسأله إن كان يعرف الحب، وعن علاقته بزوجة صديقه عبد الحليم التي يتعشقها روحياً، ويتعلَّق بها تعلقاً أفلاطونياً، ويرتبط بسعاد الراقصة جسدياً، وسليمان في هذه المرحلة من حياته ضائع في السياسة، تابع في المحاماة، وترى باسمة فيه إنساناً غريباً.
ثم يسرد العجيلي كيف تعرف سليمان العطا الله على باسمة وهيام في الفصل الأول تحت عنوان «عينان واسعتان وجديلتان».
في بداية الفصل الثاني الذي يحمل عنوان «في الحي القديم»، يقدم العجيلي وصفاً لدمشق الخمسينيات، والحياة السياسية التي دفعت سليمان بطل الرواية المحامي إلى العاصمة. وفي هذا الفصل يروي لقاءه بهيام في مكتبه، مصادفة، ومحاورتهما حول مفهوم الأدب، وبعد اتصال هاتفي يلتقي مع أختها باسمة وتخبره بأنها امرأة متزوجة ومطلقة.
في الفصل الثالث يسافر سليمان وباسمة إلى بيروت، وعلى الرغم من عزوفها عن الالتحام جسدياً بسليمان لإيثارها أختها هيام، إلا أن هذا لم يمنع من نشوء علاقة جنسية بينهما.
في الفصل الرابع يتبادلان الرسائل.
الفصل الخامس «دموع باسمة»، وفيه نرى باسمة وقد أصبحت جسداً أنثوياً مغرياً، جماله فتنة ثائرة وجاذبيته شهوة عارمة، إنها تلقي جسدها بين يديه، مستسلمة لفحولته استسلاماً كاملاً، أما أختها هيام الطالبة الجامعية، فتدعو سليمان والدكتور الياس إلى ندوة في الجامعة حيث يبدي الطلاب إعجابهم بسليمان..!!
يذهب سليمان إلى الشقة حيث يجد باسمة غافية، وحين تستيقظ تهم بخلع ثيابها، مبتدئة بطوق حول عنقها، لكن سليمان لا يشجعها متذرعاً بتأخر الوقت، فتسأله: سليمان هل شبعت مني؟ لكنها لا تلبث أن تخرج ناسية طوقها، وفي اليوم التالي حين تأتي هيام إلى شقة سليمان مع زميلتين، ومع تطور الأحداث، ترى طوق أختها باسمة في غرفة نوم سليمان..!!
وأثناء الصراع الداخلي الذي عاشه سليمان على أثر اكتشاف هيام لعلاقته مع أختها باسمة -فهو يحُنّ إلى باسمة ويشتهيها، ولكنه غير واثق من أنه يحبها، وهيام قد أخذت تمتلك عليه أفكاره، وتستأثر بمشاعره- ولا تلبث باسمة أن ترسِل له رسالة: هذا سيفك وقد جلَوْته لك فاقتلني به فالموت أجمل هدايا الحب.
في الفصل السادس «بقية الدموع»، يعود العجيلي إلى البداية عندما عاد سليمان من بيروت ووقع له الحادث المريع، فلقد علم تفاهة حياته، وإصراره على أن يعيشها بالرغم من ذلك، ونفسه لم تستطع أن تطابق بين مُثُلِهَا وتصرفاتها، إن قلبه ليكاد ينفطر لإدخاله الغم على قلب هيام بسبب اكتشافها علاقته بأختها.
يغادر إلى بيروت، يسهر في حانة في كهف تحت الأرض، فيفضي بهمومه لراقصة نمساوية، فهو نادم على أنه أيقظ شيطان الجنس في جسد باسمة، فحوَّلَها من فتاة تملؤها متع الفكر والروح إلى أنثى تجد في فحولة عاشقها أعلى مزاياه.
يقع لسليمان حادث السقوط لدى عودته إلى دمشق، يراجع الدكتور الياس بشأن آلام ظهره، ويعلل مواصلة سليمان السفر بعد الحادث، عازياً ذلك لوجود المرأة التي احتفت به في فندق شتورا. وبعد قيامه بالعملية أصبحت مشيته غريبة مما أدى إلى نفور سعاد زوجة عبد الحليم منه، وأدرك في المستشفى أن ما كان يراه امتيازاً من تحرر من مسؤولية الزوج هو ما ينقصه، فرجل لا يتعلق بولد، هو أبتر مقطوع الصلة بالإنسانية، كما أخذ يسأل نفسه: «لماذا لم يتزوج حتى الآن، ويتساءل قلقاً، هل يتاح له أن يتزوج بعد الآن؟».
تزوره باسمة، وتصرِّح له بأن هيام تحبه، ويصرح لها بأنه أصبح يؤمن بالحب حقاً، بعد أن كان يعتقد أن الحب أخذ واستلاب، وتطلب منه أن يتزوج من هيام وتعِدُه بحل معضلة الطوق، ويغادر المستشفى إلى شقته.
دسَّت له باسمة رسالة من تحت الباب تُعْلِمُه بسفرها إلى بلد عربي على بحر العرب، يذهب إلى المطار لكنه يخفق في اللحاق بها حيث يجد هيام التي تقدمت إليه مفتوحة الذراعين.
مرت الطائرة في تلك اللحظة أمام موقف المودعين في مطار المزة، كان رأس فتاة ملصقاً بزجاج النافذة، رأس تلفه ضفيرة كإكليل، وفي عينيها الواسعتين الطويلتي الأهداب، دمعتان عالقتان، هما بقية دموع باسمة».
«نموذج المرأة» في رواية «باسمة بين الدموع»
لقد مثلت كل من «باسمة» و«هيام» نموذجين للمرأة.. وكانت هيام نموذج المرأة الأكثر قرباً من أنيما النفس. في حين كانت باسمة أكثر قرباً للنموذج الشبقي للمرأة، أو إن صحَّ القول أنيما الجسد، هذا النموذج الذي يجد فيه الرجل مسرحاً لنزواته. وتراوح سليمان بين النموذجين إلى أن اهتدى للنموذج الأكثر رقياً، وعرف من خلاله معنى الحب، لا بل ساق من خلاله أيضاً مفهوماً أرقى للزواج، يصلح لأن يكون بحثاً سيكولوجياً واجتماعياً.
لاشك أنه ثمة علاقة جدلية بين النموذجين في لاشعور الرجل، «النموذج الشبقي» ونموذج «الأنيما»، هذه العلاقة الجدلية في الرواية تلوح من كون كلا الفتاتين اللتين تحبان سليمان عطا الله هما أختان، ولم يكن ممكناً لولا تضحية «النموذج الشبقي» أن يتحقق اكتشاف «الأنيما» والوصال معها‍‍‍‍!!.
لقد وُفِّقَ العجيلي في اختيار اسميهما، فالأولى باسمة بين الدموع، وهي ذلك النموذج الذي سمح لنفسه التمرُّغ في حمأة الشهوة، وهذا ما جعلها وردة بين أشواك، أو باسمة بين الدموع، وما سفرها إلا إعلان لبداية علاقة جديدة، وأفق جديد، يفتح فسحة أو فضاء للنمو والحياة، ولعل اسم هيام في حد ذاته قريب للأنيما، فالنفس هي التي تهيم لا الجسد، وبالتالي أقرب لمعاني الحب والسمو. أما العلاقة الجدلية بين النموذجين، فلعلّي لا أبالغ إذا ما قلت أنهما في الحقيقة واحد!!.
وما الحادث الذي جرى لسليمان العطا الله بطل الرواية على طريق شتورا ودمشق، إلا مناسبة للتحول الذي طرأ عليه، ودفعه بالتالي إلى تغيير رؤيته، فرأى هيام واكتشفها وأحبها في حين كان أسير عدة نساء منهن سعاد الراقصة أو سعاد زوجة صديقه أو الراقصة النمساوية، وكلهن اجتمعن في نموذج «باسمة»، وهذا كله ليس إلا تعبيراً صارخاً عن نموذج عتيق للمرأة في لاشعوره!!.
وليس بوسعنا أن نحكم على نموذج وندينه، في حين نمجِّد نموذجاً ونرفعه.
فثمة علاقة جدلية ووحدة في النموذجين، والعلاقة هي التي تتطور صاعدة من نموذج إلى آخر، ومن هنا نرى كيف أن باسمة كانت تمهِّد وتهيئ الطريق لهيام، وبالتالي فإن باسمة أيضاً عرفت الحب من خلال التضحية، ودفعت بسليمان لاكتشاف ما هو أبعد منها، وتوارت بين الدموع!!.
«المرأة»







  رد مع اقتباس