الموضوع: انسانية وإخلاص
عرض مشاركة واحدة
قديم منذ /03-05-2011   #3

القيصر
التميز الحقيقي

الصورة الرمزية القيصر

القيصر غير متواجد حالياً

 رقم العضوية : 644
 تاريخ التسجيل : Apr 2010
 المشاركات : 1,245
 النقاط : القيصر is on a distinguished road
 تقييم المستوى : 15

مزاجي:
افتراضي

إن الوفاء من كرائم طباع الرجال، والنفوسُ الكريمةُ تعرف لأهل الفضل فضلهم، ولأهل الإحسان إحسانهم، و هي أشدُّ نَصَاعةً ونَقَاءً من صافي الزجاج، تَبِينُ فيها أقلُّ صور المعروف وأدقُّها، وهي تقابِل أقلَّ البرّ بوافِيْهِ، وأصغرَ الإحسان بأكبرِه، وربُّنا يقول: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)، وليست خَصْلَةٌ في المرء أَلأَمَ من نسيانِهِ سَوَالِفَ المعروف، وما تقادَمَ من صور الإحسان إليه من قِبل الآخرين، وكم هو الفرق شاسعاً بين تلك النفوس الرضيّة.. وبين هذه النفوس الكَدِرَةِ المَذِرَة، التي لا تبين فيها جبال المعروف.
لقد ظهرت أجلى صورُ الوفاء وأوضحُها في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في تعامله مع ربه تبارك وتعالى، وتعامله مع أصحابه رضي الله عنهم، بل وحتى مع أهل المعروف من الكفار..
أوقع الله في أيدي المسلمين سبعين أسيراً من رجالات قريش، بعد نصر الله لهم يوم الفرقان في معركة بدر، وانقَسَم الأسري بين قتيلٍ ومَفْدِيٍّ ومَمْنُونِ عليه طَليقٍ، وكان فيمن جاءت رسلُ قريشٍ بمفاداته (أبو العاص بن الربيع)، صهر النبي صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته زينب رضي الله عنهما، وكانت لا زالت في مكة قبل أنْ يُمَكِّنَهَا زوجُها من الهجرة إلى المدينة النبوية بعد ذلك.
فأرسلت -رضي الله عنها- في مفادات زوجها أبي العاص بن الربيع؛ (قلادةً) لها كانت أمُّها أمُّ المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- قد جَهَّزَتْهَا بها يوم زفافها على أبي العاص بن الربيع، وفعلاً وصلت الرسالة إلى يد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فما هو إلا أن وقعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك العقد حتى تذكّر ابنته زينب -رضي الله عنها- وغُرْبَتَهَا ووحْدَتَهَا بمكة.. لقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم هذا العقد؛ وأنه عقد خديجة.. فترحَّم عليها –كما في رواية الواقدي-.. لقد عادت الذكرى بقلبه المكلوم إلى أيام خديجة الخوالي وما فيها من ألوان الوفاء: فتذكر حبها.. سرعة إسلامها حتى كانت أول من أسلم من أهل الأرض مطلقاً –على بعض الأقوال-..، تذكر صبرها وثباتها في بواكير الدعوة حيث لا ناصر ولا معين إلا الله تبارك وتعالى.. تذكر مالها الذي بذلته سخياً ونَثَلَتْهُ بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ منه ويَدَعْ.. سقا الله تلك الأيام.
لقد بقيت وفاة خديجة -رضي الله عنها- ندبةً في قلبه الشريف.. وقد نَكَأَ العقد ذلك الجرح، وأهاج العقدُ تلك الذكريات، حتى رَقَّ النبي صلى الله عليه وسلم لذلك رِقَّةً شديدةً، وتحادَرَتْ دمعاتُ الوفاءِ دَافِئَةً على وجهه الشريف –كما في رواية الطحاوي في شرح المشكل- فما كان منه إلا أنْ التفت إلى أصحابه وقال لهم: (إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها؟)..
ما أعظم الوفاء من معدنه، وبعد خمسِ سنواتٍ من مصابِهِ بخديجة -عليها رضوان الله- يأمر رسول الله بفكّ الأسير إكراماً لذكراها العطرة..
وفي ذات الفترة التي تلت غزاة بدر، يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أسرى قريشٍ وقد وُثِّقُوا بالأغلال والحبال، فيتذكر نعمةَ الله عليه؛ وما أمكنه منه وأبدَلَهُ به بعد الخوف أمناً وبعد الضعف قوةً، فكأنما قد رَجَعَتْ به الذاكرة إلى أيام الحِصَار في شعب أبي طالب، وما عاناه فيه مع من معه من الشدة والشظف، حين دُوِّنَتْ صحيفة المقاطعة ظلماً وبغياً فلم يَسْعَ في نَقْضِهَا كبيرُ أحدٍ قبل (المطعم بن عدي)، ويوم خرج إلى الطائف للبحث عن موضعِ قدمٍ فيها للدعوة الجديدة، فَخَيَّبُوا ظَنَّهُ ورَجَعَ مَرّةً أخرى إلى مكة ليَمْنَعَهُ جَلاوِزَتُهَا من الدخول.. فلا يجد صلى الله عليه وسلم من يُجِيْرُهُ ليعود إلى بيته وأهله سوى (المطعم بن عدي).. ويتمنى النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك لو كافأ المعروف للمطعم بمثله في يوم أظهر الله فيه عِزَّهُ على من عاداه؛ فيقول: (والله لو كان المطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النَّتْنَى لتركتهم له)..!، سبعون رجلاً بلغ من عداوتهم لرسول الله أن خرجوا بأرواحهم لقتاله، ومع ذلك يطلقهم ويتركهم لمجرَّد كلام المطعم بن عدي في إطلاقهم.. هذا هو الوفاء عندما تُجَسِّدُهُ الطبائعُ الشريفةُ خُلُقاً يُسَيِّرُ الحياةَ ويوجِّهُ المواقف.
رَبـَّاهُ..؛ أين وفاءُ الأزواج لبعضهم وموعظةُ: (ولا تنسوا الفضل بينكم) تطرق آذانهم، وأين وفاء الطلاب لمدرسيهم ،، ليت شعري: في أيِّ ركنٍ من مَقْبَرَةِ أخْلاقنا دُفِنَ الوفاء؟
قفزت كل تلك المعاني إلى ذهني وأنا أنظر إلى نماذج من العقوق وألوان من اللؤم، يَتَمَدَّحُ بها بعضُ من دارَ الزمانُ دورَتَهُ ليكونُوا كتّاباً أو متكلّمين أو مؤثِّرين.. فيُعلِنوا القطيعةَ والمُبَايَنَةَ لموائِدَ من المعروفِ طالما ارْتَخَتْ بطونُهُمْ شِبَعاً من خيراتها، ويَتَشَفَّوا بنقدٍ -غيرِ رشيدٍ- لجهودِ سنواتٍ خَلَت في الدعوة إلى الله تعالى؛ ودِلالة الناس على صراط الله المستقيم، والتي طَابَ لهم أن يَنْعَتُوها على سبيل الذم: بـ(الأنشطة الصَحَوِيَّة)، فَبَخِلُوا عليها بأيِّ مَدْحٍ حتى قَلَبُوا ما كان الناس يمدحونها به إلى ذم،
وشكرا"












 
التوقيع - القيصر

http://up.arab-x.com/Oct11/4rc41652.gif


التعديل الأخير تم بواسطة القيصر ; 03-05-2011 الساعة 10:20 PM
  رد مع اقتباس