اني أكره ما يذكرني بك ، لأنه ينكأ جراحاً أعرف أن شيئاً لن يرتقها. أنا لا أستطيع أن... أجلس فارتق جراحي مثلما يرتق الناس قمصانهم .....و يا لكثرة الأشياء التي تذكرني بك: الشعر الأسود حين يلوّح وراء أي منعطف يمزّع، النظارات السود ما تزال تجرحني ...السيارات، الشوارع، الناس، الأصدقاء الذين تركت على عيونهم بصماتك، المقاعد، الأكل، الكتب، الرسائل، المكتب، البيت، الهاتف، كل ذلك، كله.... هو أنت، وقبله: أذكرك طالما أنا أنا ... وحين أنظر إلى كفي أحسك تسيلين في أعصابي ... وحين تمطر أذكرك، وحين ترعد أسأل: من معها؟ وحين أرى كأسا أقول : هي تشرب؟ ثم ماذا؟
لقد صرت عذابي، وكتب عليّ أن ألجأ مرتين الى المنفى، هارباً أو مرغماً على الفرار من أقرب الأشياء الى الرجل وأكثرها تجذراً في صدره الوطن والحب.
واذا كان عليّ أن أناضل من أجل أن أسترد الأرض فقولي لي ،أنت أيتها الجنية التي تحيك، كل ليلة، كوابيسي التي لا تحتمل..... كيف أستردك؟
وحين أكتب ليس ثمة قارئ غيرك.. وحين أقود سيارتي في تعب الليل وحيداً أتحدث إليك ساعات من الجنون، أتشاجر، أضحك، أشتم السائقين، أسرع، ثم أقف: أحتويك وأقبلك وأنتشي.
إانني على عتبة جنون ولكنني أعرف قبل أي أنسان آخر أن وجودك معي جنون آخر له طعم اللذة.. ولكنه لأنك أنت، التي لا يمكن أن تصلح في قالب أريده أنا.. جنون تنتهي حافته الى الموت!
من رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان..