كتاب الاتجاهات الوطنية في الادب المعاصر
للمؤلف محمد محمد حسين
من روائع الكتب التي الفت في القرن العشرين ترصد الفكر والادب العربي بكافة اتجاهاته ويعتبر الكتاب
كنزا لا يستغني عنه قارىء عربي وهده مقتطفات منه : ............
ثم ما كان من خيانة الإنجليز لكل عهودهم التي بذلوها للعرب. فقد تبين من بعد أنهم بذلوا للفرنسيين ولليهود في الوقت نفسه وعوداً أخرى تتعارض مع الوعود التي بذلوها للعرب، إذ اتفقوا مع الأولين على احتلال الشام، واتفقوا مع الآخرين على التمهيد لتحقيق أحلامهم في اتخاذ فلسطين وطناً قومياً.
وقد اعترف لورنس بسوء نية الإنجليز في أول كتابه “ أعمدة الحكمة السبعة” إذ يقول: إن كل ما بذله الحلفاء للعرب من وعود قد تبخر بتأثير مطامع إنجلترا في بترول العراق، وتحت تأثير سياسة فرنسا الاستعمارية.
ويقول: إن كل ما نحتاجه هو أن نهزم أعداءنا، والترك من بينهم. وقد استطاع “أللّنبي” بحكمته أن يحقق ذلك في آخر الأمر بخسارة تقل عن أربعمائة قتيل، وذلك باستغلال المعارضين لتركيا. وكم أنا فخور بالمعارك الثلاثين التي خضتها والتي لم ترق فيها نقطة دم إنجليزي.
بل هو يقول في صراحة أوضح: “إن مجلس الوزراء قد دفع العرب إلى أن يقاتلوا في صفنا لقاء وعود معينة، وعود بأن يحكموا أنفسهم في المستقبل.. ولم يكن هناك بد من أن أدخل في المؤامرة وأصبح أحد أعضائها. فأكدت للعرب ما بُذل لهم من الوعود عن مكافأتهم على ما سيبذلون من عون.
وفي خلال السنتين اللتين رافقتهم فيهما بين نيران الحرب نمت ثقتهم بي، ونمت تبعاً لذلك ثقتهم بحكومتي، فاعتقدوا بأنها لا بد أن تكون مخلصة مثلي… وقد أنجزوا ما أنجزوا من عمل مثمر بدافع من هذه الآمال.
وهأنذا أعاني من الشعور الدائم بالمرارة والخزي، بدل أن أكون فخوراً بما حققت بمعونتهم من انتصار. وقد كان واضحاً منذ البداية أن هذه الوعود المبذولة تصبح حبراً على ورق في حالة انتصارنا. ولو أخلصت للعرب لنصحتهم وقتذاك بأن يعودوا إلى بيوتهم، وبأن لا يغامروا بحياتهم في القتال لقاء دراهم معدودة… وقد غامرت بنفسي في هذه المؤامرة الغادرة لأني كنت واثقاً أن مساعدة العرب لازمة ضرورية لإحراز ذلك النصر في الشرق رخيصاً وسريعاً. وقد فضلت أن نكون منتصرين وناكثين بالعهد على أن نكون خاسرين مهزومين.”
المصدر:الدكتور محمد محمد حسين " الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر".