انصر أخاك ظالما أو مظلوماً
منذ أيام قليلة مضت قال لي محدثي : هل سمعت بما حدث في الشارع العام ؟ قلت : ما الذي حدث ؟ قال : سائق أجرة يسعى على عياله في سيارته ، فاجأه رجال لا يعرفهم ، أمطروه بوابل من الرصاص أردوه قتيلا . قلت: ما ذنب هذا المغدور حتى يقتل ؟ قال : ذنبه أنه ينتمي إلى عشيرة فيها رجل قتل واحدا ممن اعتدوا عليه عندما كان يدافع عن نفسه . قلت : كيف يقتلون رجلا يدافع عن نفسه ؟ لمَ لم يقتلوا القاتل ؟ قال : لم يستطيعوا الوصول إلى القاتل فقتلوا رجلا من عشيرته ، وأضاف هذه هي العشائرية ... شعارها : انصر أخاك ظالما أو مظلوما... قلت : هذا من الهدي النبوي، ومعانيه سامية لا كما يفهمها الجاهلون .
( انصر أخاك ظالما أو مظلوماً. قيل: يا رسول الله ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً ؟ قال: ترده عن الظلم.) ما أعظم هذه الكلمات ! ، وما أعظم ما تدل عليه ! إنه مفهوم سامٍ في نصرة الإخوة والأقارب ، والعشيرة والأرحام ، ولا غرابة أن يكون بيان رسول الله بهذا السمو ، إنه ينهل من معين القرآن ، وما أعظم ما جاء في القرآن بهذا المعنى ! حين يقص الخالق عز وجل على العباد ما كان سببا في هلاك من هلك من الأمم واندثر ، فقال : (كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) .
سألت نفسي وأنا أكتب في منتدى (عشيرتي) البوخابور ، ما حظ عشيرتي من هذا الحديث ؟ . سمعتهم في شبابي يقولون : البوخابور أهل معرفة وفهم ، تحتكم إلى عارفتهم العشائر الأخرى لفك منازعاتها وما شجر بينها ، ولقد رأيت ذلك بأم عيني ، فربما حضرت إليه جماعات متعددة تنتظر دورها ليحل عارفتهم مشاكلهم بحكمته ودرايته ، وكثيرا ما ترسل محاكم الدولة إليه قضايا العشائر لفك منازعاتها ....
سألت نفسي ، وأعدت السؤال مرة ومرة ، ما حظ عشيرتي ( البوخابور) من حديث انصر أخاك . ؟ وأخص من يعيش في القرى والأرياف ، حيث يختلط الناس بالناس ، وتتأجج النزاعات ، وتكثر الاختلافات والعداوات ، أرجو أن يؤبوا إلى الحكمة ، ويخمدوا نار الشر والفتنة ـ إن وجدت ـ وحذارِ حذارِ أن تفهم مناصرة الأهل والعشيرة كما فهمها الجاهليون قبل الإسلام ، مناصرة على الباطل أكثر منها على الحق ، يقول دريد بن الصمة :
فَلَمّا عَصوني كُنتُ مِنهُم وَقَد أَرى غِوايَتَهُم وَأَنَّني غَيرُ مُهتَدي
وَهَل أَنا إِلاّ مِن غَزِيَّةَ إِن غَوَت غَوَيتُ وَإِن تَرشُد غَزيَّةُ أَرشَدِ
ما حظ عشيرتي من : انصر أخاك مظلوما ؟ ما أتمناه وأرجوه أن يكونوا على خير ، يسعون لرفع الظلم عن المظلوم ، يعين بعضهم بعضا في معترك الحياة ، ويشد بعضهم أزر بعض ، ماداموا على الحق يسيرون ، وبالحق يتواصون و يتناصرون ، يساعد الغني الفقير، ويقيل القوي عثرة الضعيف ، ، فالأقربون أولى بالمعروف ، يتسابقون إلى فعل الخير ، يبذلون الفضل للقريب وللبعيد ،يقول الحطيئة :
مَن يَفعَلِ الخَيرَ لا يَعدَم جَوازِيَهُ لا يَذهَبُ العُرفُ بَينَ اللَهِ وَالناسِ
الدكتور عياد خيرالله