ثقافة
الاثنين 25 / 7 / 2005
لينا هويان الحسن
لقطة بانورامية واسعة لمدخل قرية.. حيث يافطة مستريحة, بسيطة, هادئة, راضية مثل كل اليافطات التي تسبق القرى الصغيرة في اريافنا ..والطريق معبدة على نحو متواضع ..
وما من سهول خضراء فردوسية تحيط جانبي الطريق وما من بيوت بسطوح قرميدية او سوبرماركات بالغة الاناقة او اكواخ جلبتها الساحرات على بساط الريح من جزر هاواي او مسابح أوجدها مارد مسحور.. انما ثمة ارض شبه قاحلة..واشواك يابسة وقيظ تقليدي يجرد الارض من كل احتمالات اللون الاخضر .. رغم ذلك نحبه كما لو انه قطعة من الجنة.
اما السيارات العابرة فليست (( كابريس او مرسيدس او باجيرو )) كل ما هنالك شاحنات متواضعة كالتي تجوب طرقاتنا ودراجات نارية عملية اكثر منها لطيفة المظهر. . والباص هو من طراز (الهوب هوب ) الذي تقاعد من المدن ووزع بسخاء على الارياف النائية منها تحديدا .. حيث منحت تلك الباصات شهادات ميلاد جديدة عندما حملت اسماء تناسب مزاج اصحابها العفوي الصادق مثل ( سلطانة, الملكة , الشيخة) والبعض منهم قد يخترع ألقابا ذكية مستوحاة من نشرات الاخبار كصاحب تلك البوسطة التي تمر من قريتنا في بادية حماة..تحمل اسما ملفتا:
((الجمرة الحارقة ))
تلك الاشياء التي ذكرت هي المؤثرات البصرية التي اعتمدها فيديو كليب ممول من موهبة مصور في منطقة الفرات من قرية ( موحسن) .. رغم ان العدسة التي صورت فيها اغنية عبد الرزاق الجبوري لم تتميز بأية فضائل تجميلية ليست مفلترة وليست سينمائية .. كاميرة فيديو تظهر الاشياء على حقيقتها غير مزودة بامكانيات التجميل التكنولوجية.. بحيث يتحول الفيديو كليب الى مشاهد مفارقة لأي واقع ليس في المجتمع العربي وحسب بل حتى في العالم أجمع..
اماالمطرب ظهر معتمدا على صوته وحسب .. يبدو الامر غريبا.
أليس كذلك?
فمن بديهيات ومسلمات هذه الأيام ان الصوت ليس ضروريا ابدا لفبركة اغنية..?!
المطرب لم يخضع لمبضع الجراح ولم يرتد ثيابا من دار ازياء فخمة ولم يسرح شعره على طريقة ستار اكاديمي ..ولم يغير لهجته ويتغنج بمصطلحات مستوردة على طريقة سوبر ستار ..
ولم يرتد عباءة حريرية مذهبة اسوة بظاهرة الاغاني الملطوشة من التراث والمحرفة بغباء وبدون اية موهبة تذكر.. لتكون النتيجة أغاني تتناسب مع اجواء النوادي الليلية وحسب .
ايضا الفنان لم يحمل سيفا ليقطع قالب ( الكاتو)..
الذي اتحدث عنه ليس (( كليبا )) خمس نجوم.. من اخراج فلان انه من انتاج الشركة العلتانية انه من انتاج تلك البيئة المطمئنة.. اهلها ما زالوا ينفعلون لنغمة دبكة (عرب الولدة) يحتفون بأغنية (ما ندل يا كريم الغربي) ولم يفعلوا كما تفقس احد دعاة الكوميديا الخفيفي الظل او الاصح منذ سنوات حين جلس يتشدق بكلمات هذه الاغنية مع شلة محسوبة على الهضامية وتعاملوا مع الاغنية كأنها قادمة من المريخ..
وبما من قبيل التفاؤل الكاذب يمكن لي ان اقول إنه ما زال بالامكان ان يوجد متذوقون لمفردات جمالية متوفرة لدينا بثراء.. لكن البعض لا يراها بسبب انبهاره بالجزر الاستوائية وسير الفضائيات وحتما قليلون هم الذين يعترفون بجمال لوحة بطلها( كبش المرياع) .
يمشي وراءه قطيع من الغنم ويعلو عجاج الصيف .. وتغيب قطعان الحسناوات اللواتي اصبحن هذه الايام اكثر عددا من (الصيصان) .. الى جانبه كانت عذراء واحدة.. هي الطبيعة.. الى ان يأتي ذلك اليوم الذي يفطن البعض فيه الى ان قبب الطين تلك الابنية المخروطية المبنية من القش والطين والآيلة الى الاندثار.. هي اكثر فتنة من الفيلات المدججة بالوخام .. اكثر اطمئنانا وقربا من ذلك الشعور المبهم الموجود فينا .. ككائنات خلقت من طين .
والى ان يأتي يوم يلتفت احد الى جمال وفصاحة كلمات اغنية مثل (طير القطا يا مغرب .. تطوي السما فرداوي) .
آه ونص علينا التفرج بصمت او بصراخ الى كليبات تتوفر فيها مواصفات الحداثة والعولمة.. وكل الاسباب التي تحرمنا من ان تكون من اولئك البشر .. الذين كما قال احد المفكرين ( يتركون اثرا على الخريطة).
آخر 10 مشاركات
الإهداءات
صراحة فيديو كليب .. من قرية ( موحسن)
العرض العادي
