ألا وهي الكرم .. فمن كان يقول : أنا من منطقة الفرات كانت تعزى إليه تلقائياً هذه الصفة
الحميدة التي عز وجودها في هذه الأيام و اندثرت - أو كادت تندثر - مع الكثير
من الطبائع و العادات الرائعة التي كانت أمثولة تتعلق بأهالي المنطقة كتعلق الجنين بالحبل السري ...
و ترتبط بهم كارتباط جذورالسنديان بأرضها .. و من العادات الطيبة التي كانت منتشرة في ديرالزوروقراها
هي ما يسمى بـ ( الصبة-او الطعمة ) و هي الطعام الذي كان الجيران يقدمونه لبعضهم
البعض بدافع
المودة و التراحم و من الذكريات الجميلة التي أحملها في ذاكرتي عن والدتي أنها كانت تقوم بطهي
صنف واحد أو صنفين من الطعام ثم ترسل معي الأطباق المليئة لأوزعها
على الجيران الذين يقومون بدورهم بنفس العمل فيوزعون ما تم طهوه لديهم على الجيران و حين
نجلس على مائدة الطعام تكون مليئة و عامرة بعدة أصناف من الطعام فأصاب بالحيرة إذ أني
رأيت أن والدتي لم تطبخ بمثل هذا التنوع الكبير من الأطعمة و لشدة فضولي كنت أسألها
من أين أتى كل هذا الطعام ؟؟؟ فتجيبني و البسمة تعلو شفاههابأن الجيران الذين أرسلنا لهم
أطباق الطعام قد أعادوها و وضعوافيها مما عملت أيديهم .. و كان هذا التصرف بمثابة رد التحية بمثلها
و من العادات التي اشتهر بها أهالي المنطقة هي ما يسمى بـ ( التنزيلة) و هي الطعام الذي يقدم للجيران
الجدد الذين يسكنون في الحي و لازالت ترتسم في مخيلتي صورة والدي - حين كان
يصطحبني للترحيب بجيراننا الجدد و ليقوم بدعوتهم لتناول الطعام في بيتنا و ذلك لطرد الشعور
بالوحشة التي قد يحس بها من نزل بدار جديدة و لتقوية أواصر المحبة و الوئام التي
كانت تدفئ قلوب سكان
الحي و تثلج صدورهم .. و من الأمور التي لم نعد نعايشها هواجتماع نسوة الحي
و تعاونهنّ كيدٍ واحدة لفتل ( الشعيرية ) وتجفيفها على الحبال أو لسلق الحنطة في قدور
هائلة الحجم لتنضج و تصبح ( سليقة ) و كان صغار الحي آنذاك يطوفون حولها حاملين
بأيديهم صحوناً فارغة ليأخذوا حفنةمن هذه القدور و يأكلوه بعد إضافة الملح أو السكر
فوقه !!
و هناك أيضاً ما كان يفعله سكان الحي حيث تحدث حالة وفاة عند أحد الجيران حيث كان
الرجال
و النساء يسارعون لمؤازرة عائلة المتوفى مؤازرةمعنوية و مادية فهذا الجار يتكفل بتجهيز بيت العزاء ..
و ذاك يحضر لوازم القهوة المرة و يقوم بطبخها و تلك تعد الطعام لأصحاب العزاء و ضيوفهم و هؤلاء
يجمعون ما تيسر من النقود لتعزيتهم و لتخفيف العبء عنهم و مواساتهم في مصابهم فلايدعون
أهل المتوفى بحاجة لأن يحركوا ساكناً أو أن يثقلواكاهلهم بأي مصاريف تزيد من شعورهم بمحنتهم ...
و هناك الكثير الكثير من العادات و التقاليد الرائعة التي متازت بها هذه المنطقة والتي ذهب معظمها أدراج
الرياح و لم نعد نرى منه سوى أطياف تمر بذاكرتنا ..
والسؤال الذي يحز في النفس هو لماذا غادرتنا هذه الروابط و القيم التي كانت من نسيج الحياة اليومية و
من صميم أخلاق أهل الفرات والجزيرة ؟؟؟
هل السبب هو ضيق ذات اليد !!! أم أن النفوس قد تغيرت بسبب تشعبات الزمن و تعقدات الحياة ؟؟؟
ونكاد نننسا ايضا موسم الكصاص في القرى ( كصاص الغنم )حيث يجتمع الكثير من الجيران ليتساعدو ويفزعوا لبعضهم البعض
ويقوم صاحب الحلال بذبح شاة ( نعجة ) واعداد وليمة للفزاعةاللذين يقومون علىمساعدته واخيرا لايسعني الا ان اقول
ايام ذيج المضن مااضن يعودن بعد
لكم مني فائق الحب والاحترام
ابو اسامة