عرض مشاركة واحدة
قديم منذ /03-26-2009   #2

خالد عيد العمران

 رقم العضوية :
 المشاركات : n/a

افتراضي

بعد هذا الاختيار ارسل توملينسون أول رسالة الكترونية لنفسه، من جهاز كمبيوتر الى جهاز آخر، وكان الجهازان بطبيعة الحال مرتبطين بشبكة "أربانت" وكانا موجودين في مقر شركة "بي بي إن" التي يعمل فيها توملينسون في ماساشوستس. كانت الرسالة كما ذكرنا تجميعاً لأحرف تشكل معاً كلمة QWERTYIOP أو شيء من هذا القبيل، وهي كلمة لا تعني شيئاً.

لم ينشر توملينسون اختراعه على الملأ فوراً، وطلب من مساعده بريتشفيل ألا يخبر أحداً عن الموضوع، فلم يطلب منه أحد مثلاً هذا الاختراع. لكن قلق توملينسون سرعان ما زال عندما أخبره زميل ثالث يدعى لاري روبرتس أنه سيستخدم اختراعه. وخلال فترة وجيزة بات اختراع تولمينسون وسيلة اتصاله المثلى بالزملاء الآخرين واتصالهم ببعضهم البعض الآخر، ولم يمض الكثير من الوقت حتى اكتسح اختراع توملينسون الجديد مستخدمي "أربانت"، وجلهم من المحاضرين في الجامعات الأمريكية، وأظهرت الدراسات التي أجريت في تلك الفترة أن 75 في المائة من الاتصالات في شركة "أربانت" كانت تتم باستخدام البريد الالكتروني الجديد. الذي يرى توملينسون أن أهم ما فيه هو أن استخدامه لا يشترط وجود أي من مرسل الرسالة أو مستقبلها، كما هو الحال في اختراع الهاتف مثلاً.

لا يزال راي توملينسون يعمل في الشركة ذاتها، "بي بي إن"، التي ابتاعتها في العام الماضي شركة "جي تي إي" وضمتها الى مجموعتها. وينصب عمل توملينسون الآن على تطوير برمجيات التجارة الإلكترونية، لجعلها أكثر أمناً، وعلى رغم أنه غيّر باختراعه العالم، فإنه لم يتغير، بل إن ذلك لم يزده إلا تواضعاً، فمكتبه في كيمبردج في ولاية ماساشوستس، لا يثير الاهتمام أبداً. ولم تجعله فكرة ثراء بعضهم بالاعتماد على اختراعه هو نادماً على شيء. يقول وهو يضحك "عادة ما ينتهي الابتكار بمكافأة. لكن هذا الابتكار كان استثناء!".

واختفت "أربانت" وظهرت شبكة جديدة الى حيز الوجود، هي شبكة الإنترنت، وأصبح مئات الملايين حول العالم يستخدمون البريد الالكتروني ويعرفون الرمز @ حق المعرفة.

ولم يبق من أصل البريد الالكتروني الذي ابتكره توملينسون إلا المبادئ الأساسية. فاستخدام البريد الالكتروني ضمن شبكة يشغلها الآلاف لا يقارن أبداً بالبريد الالكتروني الذي ينتقل ضمن شبكة تضم مئات الملايين من المستخدمين.

الفرق بين الإنترنت وأربانت، ربما كان السبب في ضياع حق راي توملينسون، بالشهرة على الأقل. فـ "جدة الانترنت" "أربانت"، شبكة محلية، وبذلك فهي ليست مجالاً رحباً يمكن للجميع الاسفادة منه كما هو الحال بالنسبة للإنترنت لذلك لم ينتشر ابتكار توملينسون إلا بين فئة ضيقة من مستخدمو شبكة أربانت الذين لا يقارنون أبداً بأعداد مستخدمي شبكة الانترنت الذين وصل عددهم الى المليار مستخدم ولعل هذا هو ما جعل توملينسون لا يقدر مدى أهمية اختراع، يستخدمه عدد محدود من الأشخاص.

انتهت تلك المرحلة، وبدأت مرحلة جديدة، هي مرحلة الإنترنت، التي تعني بالإنكليزية الشبكة العالمية، حيث لا مجال لفئة ضيقة احتكار استخدامها، ولأن توملينسون لم يسجل البريد الإلكتروني كاختراع باسمه، ويحصل بالتالي على براءة اختراع، كما فعل ويفعل الكثيرون، بات البريد الإلكتروني دون مالك، وانتشر بين كل مستخدمي الإنترنت، وذلك بعكس العدد المحدود الذي كان يستخدم "آربانت" وبقي البريد الإلكتروني اختراعاً من دون مخترع، يستخدمه الملايين حول العالم من خلال استخدامهم لشبكة الإنترنت.

وكما ساعدت الانترنت على انتشار البريد الالكتروني، فإنها ساعدت في المقابل على ضياع اسم راي توملينسون. والسرعة الرهيبة التي انتشرت من خلالها كوسيلة اتصال معلوماتية حديثة، لم تدع مجالاً أمام توملينسون للتفكير في مدى أهمية اختراعه، الذي فكر فيه وأحسن استغلاله القائمون على موقع هوت ميل H otmail ، التابع لشركة مايكروسوفت، والذين قدموا البريد الالكتروني خدمة مجانية للمشتركين في الشبكة، مراهنين على أن هذا الاختراع هو اختراع المستقبل، ولقد نجحوا في كسب الرهان.

البريد الالكتروني الآن

إن الطريقة التي يعمل بها البريد الالكتروني بسيطة جداً، فما عليك إلا أن تقوم بكتابة الرسالة، ثم عنوان المرسل اليه، متضمناً الرمز @، ثم تضغط على زر الإرسال، بعد ذلك تذهب رسالتك الى خادم (سيرفر) شركتك المزودة للإنترنت، الذي يتحقق من صحة العنوان، ويقرر المسار الذي ستسير به رسالتك عبر الشبكة العالمية، نحو خادم شركة المرسل اليه المزودة للإنترنت، حيث تصله في صندوق البريد المخصص للمستخدمين، ولقراءة الرسالة، يقوم المرسل اليه، مستقبل الرسالة، بفتح صندوق بريده الالكتروني ليقرأ الرسالة من كمبيوتره الخاص أو من أي جهاز آخر متصل بشبكة الإنترنت حول العالم. الأمر برمته لا يستغرق أكثر من 20 ثانية لوصول الرسالة لمتسلمها، وفي هذا توفير كبير للوقت والمال، ولذا، فإن البريد الالكتروني يضع البريد العادي في مهب الريح، حيث تتفوق إمكانات البريد الالكتروني عليه بدرجات كبيرة، وبالإضافة الى إرسال الرسائل الكتابية، يمكنك عبر البريد الالكتروني إرسال ملفات موسيقية أو برامج أو صور أو غير ذلك من الملفات التي ترسل مع الرسالة الالكترونية في صورة ملحقات ATTACHMENTS .

والرسالة الالكترونية كبيرة الشبه بالرسالة الورقية التقليدية، فهي تتكون من مقدمة، تحتوي على عناوين المرسل والمستبقبل وعنوان الرسالة ووقت إرسالها، وجسم يحتوي على النص المكتوب. وتماماً كما يفعل الشخص بالرسالة التقليدية، فإن عليه التأكد من صحة العنوان ، لأنه سيضيع في حالة كتابته بطريقة خاطئة، فإن كان العنوان الخاطئ ملكاً لشخص آخر، فإنه يصل الى هذا الشخص، وإن لم يكن العنوان المكتوب بالطريقة الخطأ يخص أحداً فإن الرسالة تعود الى العنوان الذي أُرسلت منه.

واليوم، يستخدم ملايين الأشخاص حول العالم البريد الالكتروني، وقلة منهم فقط تذكر صانعه راي توملينسون الذي توصل الى اختراعه مصادفة، تماماً مثل عشرات الاختراعات التي غيرت وجه التاريخ، وهو ما يتضح من خلال هذا الاستخدام الواسع له. ولا شك في أن ذلك يؤكد أن هذا الابتكار كان حتمياً، وأنه لو لم يوجد، لكان من الضروري إيجاده. وأن كان كل اختراع على هذه الدرجة من الأهمية يذكر ويذكر معه صاحبه فإن البريد الالكتروني يذكر وكأن وجوده من طبيعة الأمور، أما صاحبه فلا أحد يكترث له أو به حتى لو كان على درجة من العبقرية مثل راي توملينسون الذي لم يستغرق منه ابتكار وسيلة الاتصال هذه التي غيرت وجه التاريخ سوى 30 ثانية








  رد مع اقتباس